أكد « التقرير الاستراتيجي المغربي » الصادر مؤخرا عن مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية CERSS، أن « المغرب عرف نوعا من الاستقرار رغم بعض الهزات » خلال الفترة الممتدة من 2020 إلى 2024 التي عرفت أحداثا مهمة مثل: جائحة كوفيد 19 والانتخابات التشريعية والجماعية… وسجل التقرير أن هناك 3 سيناريوهات للمستقبل تبدو مستبعدة التحقق وهي: استمرارية الوضع على ما هو عليه، أو التراجع إلى الوراء، أو الانتقال نحو مرحلة أرقى على مستوى الانتقال الديمقراطي. وقد وصف التقرير الوضعية في المغرب عموما بأنها « معقدة ويصعب تدبيرها، تتخللها العراقيل والتحديات، إلا أن البلاد تنجح بشكل أو بآخر في مواجهتها وتجاوزها ».
واعتبر عبد الله ساعف مدير مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، خلال لقاء بكلية العلوم القانونية والاقتصادية بالرباط، أن التقرير يشتغل دائما منذ انطلاقته في 1995 على جانبين أساسيين، هما التشخيص واستشراف المستقبل انطلاقا من مسح للوقائع والأحداث التي تعرفها البلاد داخليا في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبناء على تحليل كيفية تفاعل المغرب مع محيطه الإقليمي والدولي.
وتوقف عبد الحميد بنخطاب رئيس الجمعية المغربية للعلوم السياسية بشكل خاص عند الوقائع السياسية التي عرفتها البلاد خلال تلك المرحلة، ومنها الانتخابات العامة للعام 2021 التي « وضعت حدا لهيمنة حزب العدالة والتنمية »، وعرفت بروز ائتلاف حزبي ثلاثي في قيادة الحكومة.
وقدم بنخطاب تشخيصا للواقع الحزبي وتحولاته الذي صار يتميز، حسب رأيه، بـ »البراغماتية » و »الانقسامية » والتشتت بشكل عام، إلى جانب نوع من التكتل « الكارتيلي »، (cartels) بعد أن كان المشهد الحزبي يطبعه في السابق، الطابع المبدئي والإيديولوجي مع أحزاب الكتلة الديمقراطية مثلا. وهي ظاهرة تعود برأيه إلى تحول عالمي عموما مع تحول الأحزاب إلى نوع من « الاحترافية ».
من جهته، تناول مدير المعهد العالي للإعلام والاتصال عبد اللطيف بنصفية، الجوانب المتعلقة بتحولات الإعلام في المغرب والعالم، مسجلا العديد من الإيجابيات في التقرير الاستراتيجي على مستوى توفير المعلومات الصحيحة والدقيقة، وهو ما يتيح إمكانية التحليل وتكوين الرأي على أساسها، مسجلا أن التقرير وثيقة عمل أساسية للصحافيين ولطلبة معاهد الصحافة. كما اعتبر أن ظواهر التواصل الجديدة التي تطورت بشكل هائل نتيجة التكنولوجيا ومنصات التواصل الاجتماعي، جعلت المغرب يتحول إلى « مجتمع تعبيري أكثر منه تواصلي، على اعتبار أن التواصل يفترض قواعد خاصة تتميز بالتواصل وبالإنصات ».
وقد أكد بنصفية على آفاق وإمكانيات البحث والتعاون الأكاديمي المشترك التي يمكن أن يفتحها التقرير الاستراتيجي بين كليات الحقوق والآداب معهد الصحافة في المستقبل. وقد عرف اللقاء مساهمة عدد من الأساتذة الآخرين.
ويصدر « التقرير الاستراتيجي المغربي » بصورة دورية عن مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية. ويقدم تشخيصا ومسحا للأوضاع الوطنية الدولية. ويسعى إلى تقديم استشراف لسنتين أو 3 سنوات وليس لـ 30 أو 50 سنة كما هو حال بعض التقارير، حسب ما جاء في المقدمة.
ويعتبر المركز أقدم مركز للتفكير والبحث بالمغرب. ويعتمد على إمكانياته البشرية والمادية الذاتية. ويحتل مواقع متقدمة ضمن مراكز التفكير المغربية في الترتيب العالمي الصادر سنويا عن جامعة بانسيلفانيا الأمريكية. ويشتغل بتعاون مع فريق يضم حوالي 50 من الباحثين والأساتذة المتطوعين من عدة جامعات مغربية.