قصة “عبد اللطيف أيت أحمد” مع الإعلام بين الحلم والواقع.

بقلم ذ. محسن أيت المدن.
ولد الإعلامي الشاب عبد اللطيف أيت أحمد بتاريخ 01 يناير سنة 1990 بزاوية أيناس، الكائنة بجماعة تانسيفت، دائرة أكدز التابعة لعمالة زاكورة. بدأ دراسته الإبتدائية بمسقط رأسه ثم إنتقل إلى قرية -إمي نولاون- ب إمغران التي تبعد بحوالي 70 كلم عن مدينة ورزازات حيث درس السنتين الأخيرتين من التعليم الإبتدائي وحصل على الشهادة التي أهلته إلى التعليم الإعدادي، وهنا اضطر والديه لإرساله لمدينة بني ملال حيث يشتغل أخيه الأكبر. درس هناك السنوات الثلاثة من التعليم الإعدادي إلى حين حصوله على الشهادة التي أهلته ﻹتمام دراسته بالثانوية التأهيلية إدريس الأول ب أكدز التابعة لعمالة زاكورة لئن حصل على شهادة البكالورليا سنة 2009 وهي بمثابة المفتاح الذي فتح له باب الجامعة على مصراعيه.
كما جاء على لسانه أن قصته مع الإعلام كانت بين الحلم والواقع لأنه -حسب رأيه- “عندما يقترن الطموح بالحلم ويمتزج كلاهما بالواقع يصبح هدفك واضحا وطموحك واقعيا”. وكما أنه لم يكن أيضا دخوله لمجال الإعلام مجرد صدفة بل نبع من عشق بزغ منذ كان تلميذا بالثانوية التأهيلية إدريس الأول بمدينة أكدز -عمالة زاكورة- حيث كان ينشط الإحتفلات الوطنية والأنشطة المدرسية وكان الإعلام أنذاك مجرد حلما إلى حين أن بات واقعا.
كان، عبد اللطيف، شاب مراهق يقوم بإعداد الأنشطة المدرسية ويجمع أصدقاؤه ممن هم في عمره ليقدم لهم ما قام به كما يهتم بالشعر ويلقيه ويسجله من وحي خياله مستمعل جهاز الراديو والأشرطة التقليدية وكذلك الهاتف.
قال أنه عندما كان يقرأ النصوص العربية في الفصل دائما يحاول إحترام قواعد اللغة العربية كما يحترم بلاغة اللغة الأمازيغية وكان ولازال يأخذ الأمر بجدية، دائما يرى طموحه واضحا وبلوغه سهلا، لكن كل ما يتمناه المرء يدركه الجهد الجهيد لا بالتأكل.
واصل، المنشط الشاب، دراسته وكان جيد جدا في المواد الأدبية ما جعل أساتذته يرفضون توجهه لشعبة العلوم، ولم يرفض اقتراحهم وتشبث بذلك، وبلغ الباكالوريا؛ ولم ينجح في المرة الأولى ثم اتجه لمعهد الدراسات السنمائية بورزازات – التي تبعد عن أكدز ب 66 كلم- ولم يحالفه الحظ مرة أخرى. خنقه الفقر وقفل عليه باب السينما ولم يجد له مخرج سوى أن يعود أدراجه إلى ثانويته، إدريس الأول بأكدز، ليتمم دراسته فحالفه الحظ هذه المرة ونجح في الباكالوريا ولم يرى أمامه سوى وجهة واحدة وهي الجامعة.
ورغم محاولة كثيرين إقناعه بدراسة بعض الشعب الأخرى كاللغات مثلا أو غيرها إلا أن أذنه صمت أمام كلامهم، وحججهم في ذلك أن خريجي الجامعات كانوا كثيري البطالة، لكنه كان مقتنع اقتناعا تاما أن من يكون متميزا ويثابر يصل إلى مبتغاه.
درس عبد اللطيف الدراسات السوسوليوجيا بعشق وتميز في الحبث العلمي في السنة الأولى وكان عليه المزج بين العمل والدراسة حتى يستطيع أن يستمر في دراسته مما دفعه الى العمل في ميادين مختلفة كالبناء و الرخام و الجبص ، لكي يستطيع تغطية مصاريفه الدراسية ، إلى حين أن أشرقت له شمس الإعلام حيث حصل على فرصة عمل كمنشط براديو مع إحدى شركات الإنتاج المعروفة بإسم Headlight والتي لها صيت وطني في الساحة الأعلامية المغربية.
إستمر، الشاب الطموح، في العمل مع العمل مع شركة الإنتاج المذكورة أعلاه وفي نفس الوقت كرس وقته لدراسته بالجامعة إلى حين تخرجه سنة 2013 ، والتحدي الذي كان في الفصل اﻷخير من الكلية قبل التخرج هو إنجاز رسالة حول “عادات وتقاليد الزواج عند الأمازيغ بالجنوب الشرقي”، لم ينسى أنه كان تحدي ممتع وكان له دور في التشبع بمنهجية البحث العلمي التي تربي في الباحث الجدية خلال القيام بأي بحدث كان.
كرس عبد اللطيف كل وقته للإعلام الأمازيغي قبل وبعد تخرجه من الجامعة وعمل على المعجم الأمازيغي وعمل بجد على إملاء فجواته المعرفية فيما له علاقة بالمصطلحات والجمل والمعنى الحرفي والقصدي للكلمات الأمازيغية التي تميزها الإزدواجية والتعددية.
سألت الإعلامي عبد اللطيف أيت أحمد على الأشخاص أو العراقل التي أعاقته في بداياته وكانت إجابته الجملة الأتية: “الأشواك ليست سوى وهم يصنع بأياد بشرية ويحصده طموح يرى صاحبه عبره في الأشواك ورودا”.
ويقول أنه كلما حاول أحد إعاقته كلما كان ذلك دافعا جديدا له للخروج والانتفاض ويكدح ويعمل أكثر مما كان يفعل. كانت ولازالت رغبته الوحيدة التطور، لكن في كل مرة يعود فيها منسوب الطموح إلى الصفر يعود للعمل ويقوم بكل ما بوسعه ولا يؤمن بالفشل، لطالما حاول أقاربه إقناعه لمغادرة أرض الوطن والعمل في مجال أخر بعيدا عن الإعلام لكنه دائما يرفض، ﻷنه لا يعشق أي مجال أخر غير الإعلام.
انطلق بأول تجربة تلفزية كانت متعبة وممتعة، أيقن إثرها أن العمل في ظروف صعبة تفتح أمامك الطريق معبدا في ما يليها من تجارب، تجربة فتحت أمامه المجال على مصراعيه، وكانت انطلاقة رغم ما رافقها من أشواك ممتعة حصد إثرها التجربة والقدرة على التعامل مع كل ما يحيط بمهة: الصحافة مهنة المتاعب والامتاع.
يؤمن الإعلامي المتنور، عبد اللطيف أيت أحمد بالجد والإجتهاد وعدم الاستسلام للظروف مهمى كانت قاسية.كما يؤمن أنه كلما تواصلت التجارب زاد الحب وزاد معه التيقن بأن الأشواك ليست سوى وهم يصنع بأياد بشرية ويحصده طموح يرى صاحبه عبره في الأشواك ورودا، وإن صعبت الحياة وأغلقت الأبواب أمامك يظل الطموح وعشق مجالك سلاحك في الحياة، فتفاءل وتوكل على الله”.
دخل الإعلامي عبد اللطيف أيت حمد إلى عالم الإعلام الاحترافي سنة 2011 بعد مشاركته في مسابقة ثقافية كان اسمها أنذاك بالأمازيغية “أبريد نترناوت” أي طريق الفوز والتي كانت حدث رئيس إنتقل به من منزلة الهواة إلى مقال الإحتراف بعدما اكتشفه كل من المخرج والمنتج اللذان استلهمهم صوته الرخم وتمكنه من الإلقاء ومن الخطاب الإعلامي وذلك بفضل تمرنه الدائم عليه، مما دفع منتج -شركة الإنتاج إلى الاتصال به للمشاركة في -كاستينك- لبرنامج إيداعي، وبعد المنافسة تمكن عبد اللطيف من فرض صوته في هذا البرنامج الذي كان يسمى بالأمازيغية “أمكراز ن غساد” أي “فلاح اليوم” وهو برنامج فلاحي كان يبث على الإداعة الوطنية -تمازيغت- وتلك كانت البداية الاحترافية في مسيرته الإعلامية، وأشرف على ذلك البرنامج لمدة سنتين، وكان أنداك عبد اللطيف أيت أحمد يشتغل منشط لذاك البرنامج وفي نفس الوقت يتابع دراسته في بجامعة الحسن الثاني، كلية الأدب والعلوم الإنسانية بمدينة المحمدية. في سنة 2013 بعد أن حصل على الإجازة في على الاجتماع اشتغل بإحدى مراكز دوي الاحتياجات الخاصة بالمعاريف بالدار البيضاء وكانت، بالنسبة له، تجربة فريدة من نوعها والتي مكنته من اكتشاف الكثير عن الحياة الإنسانية من جوانب مختلفة، منها النفسية والفزيولوجيا والعقلية والتربوية، بعد أقل من 6 أشهر اتصلت به نفس شركة الانتاج -headlight- للعمل معهم بشكل رسمي. هنا تأكد عبد البطيف أن مجال الإعلام هو المجال الوحيد الذي سيشرق حياته ، هنا قدم استقالته في مركز دوي الاحتياجات الخاصة الذي كان يشتغل معهم كمساعد اجتماعي -باعتباره موجز في علم الاجتماع- وانتقل إلى مجال السمعي البصري.
بدأ عبد اللطيف العمل مع شركة الانتاج وكان حينها يقوم بالإعداد للمسابقة الثقافية 5 نجوم للبطل، ( منذ سنة 2014 حتى الآن 2021 ) ويقوم كذلك بدبلجة هذه المسابقة، بالإضافة إلى برنامج “شباب Mag” الذي مازال يبث على القناة الأمازيغية، حيث هو الذي كان يعلق بصوته الرخم على هذا البرنامج كما يقوم بدبلجته.
سقل الشاب الطموح موهبته في الميدان حيث أصبح محترفا في المجال الإعلامي ثم سنحت له الفرصة لتقديم البرنامج الشبابي الديني “المنطق والإمان” مع الأستاذ لحسن سكنفل سنة 2015 واستمر هذا البرنامج 3 مواسم متثالية، بعد ذلك جاء برنامج “طريق النور” الذي مازال يقدمه إلى حدود اللحظة. أما فيما يخص التعليق الصوتي كان البرنامج الوثائقي “فن وأصالة ” في موسمه الثاني سنة 2018 مرحلة مهمة حيث مازال هو الذي يعلق بصوته المميز على ذلك البرنامج بالإضافة إلى برامج أخرى ثانوية. كما شارك في دبلجة مجموعة من الأفلام الأمازيغية وتقديم عدة مهرجانات.
تخلى عبد اللطيف على مجال علم الإجتماع؛ لكنه لم ولن يتخلى عن الإعلام وإن أرهقه وإن أتعبه، فذاك حلمه وسيظل طموحه إلى أخر أنفاسه. هذه هي حياة عبد اللطيف أيت أحمد من راعي المعز والغنم في قريته النائية إلى أن أصبح صوته معروفا في المجال السمعي البصري و وجه إعلامي معروف؛ رغم قساوة الضروف المعيشية استطاع أن يفرض نفسه في مجال يسوده -باك صاحبي- .