ستكون الدورة الربيعية للبرلمان، برسم السنة التشريعية الثالثة لما تبقى من الولاية الحادية عشرة، مطبوعة برهانات متعددة ومتنوعة، سواء تعلق الأمر بمجال التشريع والمراقبة، أو بتقييم السياسات العمومية والدبلوماسية البرلمانية الموازية.
تضع الأجندة الرقابية والتشريعية للدورة الربيعية للبرلمان، التي تكتنفها رهانات اجتماعية واقتصادية وسياسية عديدة، المؤسسة التشريعية في قلب النقاش العمومي، وهو ما يستدعي من مكوناتها توظيف كافة الآليات بهدف إخراج النصوص القانونية والمستجيبة للتحديات المطروحة.
للأسف الأجواء التي اختتمنا بها الدورة السابقة هي نفسها التي سنفتتح بها هذه الدورة.
على المستوى الاجتماعي:
القضايا التي تشغل بال الرأي العام وفي مقدمتها غلاء أسعار المواد الأساسية. فلازال ارتفاع الأسعار في تزايد مستمر أحدث وقعا كبيرا على القدرة الشرائية للمواطن. هناك ارتفاع غير مسبوق في أثمنة كافة السلع والبضائع، يقابله ارتباك واضح لتفاعل الحكومة مع شتى القضايا التي تشغل بال المواطن.
وعدم سعيها الى إيجاد حلول جذرية للمشاكل المطروحة خصوصا في مجال التعليم والصحة.
هناك ملفات كبرى تعرف إشكالات في تنزيلها ومن بينها ملفات الدعم الاجتماعي المباشر والدعم المخصص للسكن والإصلاحات المتعلقة بالمنظومة القانونية القضائية والانتقال الرقمي والانتقال الطاقي والتعليم العالي والشغل ومطلب الزيادة العامة في الأجور وإصلاح أنظمة التقاعد، وإخراج مشروع القانون التنظيمي للإضراب، ومراجعة مدونة الشغل والقانون المتعلق بالنقابات، والإشكاليات الاجتماعية المطروحة على طاولة الحوار الاجتماعي، وغيرها من الإجراءات التي تندرج في إطار تعزيز ركائز الدولة الاجتماعية. وعموما، هناك استياء من التدبير الحكومي المتخبط للملف الاجتماعي، والذي بدت معالمه واضحة للعيان في تدبير الحراك التعليمي وما واكبه من تخبط وعشوائية.
وجدت الأسر المغربية نفسها، خلال شهر رمضان الكريم الذي يمثل ذروة الاستهلاك خلال السنة، حائرة بين الاقتراض وبين تخفيض النفقات لمواجهة مستويات الغلاء بالأسواق، خصوصا أن مؤشرات وضعيتها المالية تواصل تراجعها إلى منحنيات خطيرة، ولا زالت في مسار تصاعدي ضمن مسلسل الاقتراض من أجل تمويل الاستهلاك، إذ قفزت قيمة القروض التي حصلت عليها بنهاية السنة الماضية إلى 57.4 مليارات درهم، أي 5740 مليار سنتيم، بزيادة سنوية نسبتها 0.5 في المائة مقارنة مع 2022.
وقد أظهرت الإحصائيات الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط أن 42.1 في المائة من الأسر استنزفت مدخراتها ولجأت إلى الاقتراض خلال الفصل الرابع من 2023. واعترفت نسبة 59.8 في المائة من الأسر بتدهور وضعيتها المالية خلال الـ 12 شهرا الماضية.
على المستوى الاقتصادي:
هناك ارتفاع لعجز الميزانية رغم ارتفاع المداخيل الضريبية.
الاقتصاد الوطني ما بين سنتي 2022 و2023 فقد 157.000 منصب شغل؛ بذلك ارتفع معدل البطالة من %11,8 إلى %13,0على المستوى الوطني. ويظل هذا المعدل مرتفعا في صفوف الشباب البالغين بين 15 و24 سنة (%35,8) وحاملي الشهادات (%19,7) والنساء (%18,3).
على مستوى التدبير والحكامة والمساواة:
هناك ارتباك واضح على مستوى التسيير في جل القطاعات
وكدا ارتفاع مؤشر الفساد، مما يبين فشل الحكومة في تنزيل برنامجها.
هناك إشكالية لا بد أن تعالجها الحكومة والمتعلقة بالفوارق بين الجنسين في مجال العمل المأجور. وقد خلصت مندوبية التخطيط في مذكرة إخبارية صادرة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، إلى أن الفوارق بين الرجال والنساء في مجال العمل المأجور واقع راسخ في سوق الشغل.
ويُظهر هذا التفاوت إلى أي مدى تحدد الخصائص الفردية للمرأة مكانتها في هذا السوق، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تفاقم فجوة الأجور بين الجنسين؛ وهذا أمر غير مقبول.
من الرهانات الأساسية والمركزية للدورة الربيعية، دراسة ومناقشة ثاني تعديل جوهري لمدونة للأسرة في عهد جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره.
كما أن الحكومة مطالبة بالكشف عن مآل إحداث صندوق خاص لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية والذي تقرر ضخه بميزانية وصلت الى مليار درهم بحلول سنة 2025 لكن، إلى حدود هذه السنة تم تخصيص ميزانية لا تتجاوز 300 مليون درهم فقط للنهوض بالأمازيغية في قانون المالية لسنة 2023 ضمن صندوق المذكور.
على المستوى الرقابي والتشريعي
من المرتقب أن تعرف هذه الدورة استمرار طرح موضوع مدونة السلوك والأخلاقيات الخاصة بالنواب، والذي لم تعرف أي تقدم عملي على مستوى إعدادها في الدورة المنتهية، وقد أكد مكتب المجلس أن هناك اتفاقا والتزاما بإعدادها في أبريل الجاري.
وستكون حافلة بالنقاش والخلاف بين المعارضة والأغلبية حول مشاريع القوانين المهمة التي ستسعى الحكومة وأغلبيتها إلى تمريرها بدءا من هذه الدورة من النصف الثاني من الولاية التشريعية الجارية. لذلك هناك ضرورة تحسين مناخ النقاش الديموقراطي والدفع نحو توازن مؤسساتي، أصبح شرط وجوب من شروط الحياة السياسية السليمة.
كما أن موضوع سرية اللجان سيطرح نفسه أيضا؛ حيث إن الحكومة وأغلبيتها نجحت في فرض إرادتها في لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان التي تعكف على الدراسة التفصيلية لمشروع قانون المسطرة المدنية وتهريب النقاش حولها بعيدا عن الصحافة.
ستشهد هذه الدورة الربيعية العمل على مجموعة من التشريعات والقوانين، وفي مقدمتها تنزيل مدونة الأخلاقيات التي جاءت في كلمة جلالة الملك بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس البرلمان من أجل تخليق الحياة السياسية والبرلمانية، ومناقشة قوانين ذات طابع آني كقانون الإضراب والنقابات وقانون مدونة الأسرة وقانون الشغل والقانون الجنائي وقانون المسطرة المدنية، إضافة إلى قانون الإثراء غير المشروع الذي تم سحبه من طرف الحكومة في الدورة السابقة.
وجدير بالذكر أن مجلس النواب سيعقد جلسة عمومية لانتخاب أجهزته طبقا لأحكام الفصل 62 من الدستور، الذي ينص على أنه “ينتخب رئيس مجلس النواب وأعضاء المكتب، ورؤساء اللجان الدائمة ومكاتبها، في مستهل الفترة النيابية، ثم في سنتها الثالثة عند دورة أبريل لما تبقى من الفترة المذكورة.