جيل “Z” يعد إحدى الظواهر الجيلية الأكثر تأثيرا في المجتمع المعاصر، إذ ولد أفراده بين منتصف تسعينيات القرن الماضي ومنتصف العقد الثاني من الألفية الثالثة، أي بين 1995 و2010 تقريبا. وقد سمي هذا الجيل بجيل “Z” لأنه جاء بعد جيل “Y” المعروف بجيل الألفية، والذي سبق جيل “X”، استكمالا للترقيم الأبجدي للأجيال الحديثة، ما يسهل دراسة التحولات الاجتماعية والنفسية والثقافية عبر الزمن.
ويتميز جيل “Z” بكونه الجيل الرقمي بالكامل، إذ نشأ في بيئة متكاملة من التكنولوجيا والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، ما أكسبه قدرة فائقة على الوصول إلى المعلومات بسرعة غير مسبوقة، ومهارات استخدام الأدوات الرقمية في التعلم والعمل والتواصل. ومع ذلك، يواجه هذا الجيل تحديات تتعلق بتشتت الانتباه والاعتماد المفرط على الوسائط الافتراضية، إضافة إلى الضغوط النفسية الناتجة عن كثرة المعلومات والمقارنات الاجتماعية المستمرة عبر المنصات الرقمية.
من منظور سوسيولوجي، يظهر جيل “Z” ميلا إلى تبني قيم الانفتاح والتعددية، والتفاعل الإيجابي مع التنوع الثقافي والاجتماعي، مع رغبة واضحة في المساواة واحترام حقوق الإنسان. وقد انعكس هذا الانفتاح على أنماط العلاقات الاجتماعية، التي تميل إلى المرونة والتكيف مع مختلف السياقات، بعكس الأجيال السابقة التي كانت أكثر ارتباطا بالروابط التقليدية والمجتمع المحلي.
من الناحية النفسية، يمتلك هذا الجيل وعيا متزايدا بالقضايا العالمية مثل البيئة والعدالة الاجتماعية، إلا أن هذا الوعي يصاحبه شعور متنامٍ بالقلق والضغط النفسي، وهو ما يعكس التحديات المعاصرة التي يواجهها الشباب في عالم سريع التغير ومتصل رقميا. ورغم هذه الضغوط، يظهر أفراد جيل “Z” قدرة لافتة على التكيف والابتكار، مع سعي مستمر لإيجاد حلول مبتكرة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجههم، ما يجعل منهم جيل فرص وتحديات في آن واحد.
لفهم سياق جيل “Z” بشكل أعمق، يمكن الإشارة إلى الأجيال السابقة واللاحقة: جيل “X” ولد بين 1965 و1980، وتميز بقدرته على التكيف مع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية بعد فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، بينما جيل “Y” أو جيل الألفية ولد بين 1981 و1994، وتميز بالانتقال المبكر إلى العالم الرقمي وانفتاحه على التغيير الاجتماعي والقضايا العالمية. أما الجيل القادم، جيل “Alpha”، فهو من ولد ابتداء من 2010 وما بعده، ومن المتوقع أن يكون أكثر ارتباطا بالتكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي، مع اعتماد نمط تعليم رقمي منذ الطفولة.
يعد تصنيف الأجيال بهذه الطريقة أداة مهمة لفهم تأثير البيئة الثقافية والتكنولوجية والاقتصادية على تكوين القيم والمهارات والتوجهات النفسية لكل جيل، ويساعد على استيعاب تحديات كل فئة واستثمار إمكاناتها في التنمية المجتمعية والاقتصادية بشكل مستدام.