بقلم الإعلامي رشيد ايت الساغ،
في الآونة الأخيرة، أصبح الإعلام الإقليمي، الذي كان من المفترض أن يكون مرآة تعكس قضايا المواطنين وهمومهم، يغرد خارج السرب. فبدل أن يكون منصة تعبير عن صوت الكادحين والمقهورين، أضحى في كثير من الأحيان مجرد امتداد لخطاب السلطة، يتبنى سردياتها ويبرر ممارساتها، وكأنه يدافع عنها أكثر مما تفعله هي نفسها.
أبرز مثال على هذا التحول المقلق هو تغطية الإعلام الإقليمي للاحتجاجات التي قام بها العمال الزراعيون، حيث تم شيطنة هذه الاحتجاجات وتحريف مطالبها، في تجاهل صارخ لمعاناة هذه الفئة الهشة من المجتمع. وقبلها احذاث قرية الصيادين تيفنيت . وكأن ذلك لم يكن كافياً، ها هو الإعلام ذاته يتناول موضوع هدم البنايات التي وصفت بالعشوائية بخط تحريري يُحاكي خطاب المسؤولين، دون أدنى مساءلة لهم عن تقصيرهم في معالجة هذه الظاهرة من جذورها.
إن السؤال الجوهري الذي غاب عن تناول الإعلام لهذا الموضوع هو: أين كانت السلطة حينما شُيِّدت هذه البنايات لسنوات؟ كيف يمكن للسلطة أن تتنصل من مسؤوليتها، في حين أن وجود مثل هذه الظواهر هو دليل واضح على غياب التخطيط والتدبير المحكم؟ بدل أن يسلط الإعلام الضوء على هذه الأسئلة المشروعة، اكتفى بمحاولة تبرير الممارسات، متناسياً أن دوره الحقيقي هو الدفاع عن حقوق المقهورين، وليس توفير غطاء إعلامي للقرارات المجحفة.
الإعلام، في جوهره، هو صوت الذين لا صوت لهم، هو العين الساهرة على قضايا المجتمع بمختلف طبقاته، وخاصة الطبقات المهمشة. أما السلطة، فهي لا تحتاج إلى من يروج لعملها؛ فهي تمتلك كل الوسائل المادية والمعنوية واللوجستيكية لبث رسائلها وتبرير سياساتها. وبالتالي، فإن أي انحراف للإعلام عن دوره هذا هو خيانة لمبادئه الأساسية.
على الإعلاميين أن يتذكروا أن رسالتهم ليست في التواطؤ مع أصحاب السلطة والنفوذ، بل في الوقوف إلى جانب المقهورين، وتسليط الضوء على معاناتهم، ونقل أصواتهم بكل أمانة ومهنية. لأن الإعلام، حين يفقد بوصلته، لا يصبح إلا أداة أخرى تُضاف إلى ترسانة تهميش الكادحين واستغلالهم.