يمثل الدخول المدرسي محطة حاسمة في حياة كل طفل، ويثير انشغالا كبيرا لدى الآباء وأولياء الأمور، لما يحمله من توتر البدايات وهواجس الانتقال من بيئة أسرية خاصة إلى فضاء مدرسي عام تحكمه قواعد تربوية وتعليمية مختلفة، ويجعل هذا التحول مسألة إعداد الطفل لبدء موسم دراسي جديد ضرورة أساسية لضمان تجربة إيجابية وناجحة.
ويجمع خبراء التربية على أن نجاح هذه المحطة يتوقف على استعداد جميع الأطراف المعنية، بدءا من الآباء والأمهات، مرورا بالمتعلمين أنفسهم، وصولا إلى المعلمين والإدارة التربوية، حيث يشكل التنسيق بينهم عاملا حاسما في تيسير اندماج الأطفال داخل محيطهم الدراسي الجديد.
وتوضح الأستاذة ثريا، مديرة مؤسسة تعليمية خاصة، أن إدارات المدارس تشرع عادة في عقد اجتماعات تحضيرية خلال شهر غشت مع الأطر التربوية، للتأكيد على أهمية اليوم الأول باعتباره مدخلا لبناء علاقة ثقة بين الطفل ومدرسته من جهة، وبين المؤسسة وأولياء الأمور من جهة أخرى.
وتبرز من بين أهم التدابير التي تعتمدها بعض المؤسسات، تخصيص استقبال احتفالي يضفي جوا من البهجة عبر الأناشيد والزينة والألوان، مع تمكين بعض الآباء من مرافقة أبنائهم داخل الفصل لفترة محدودة لتخفيف قلق الانفصال.
ويُعتبر حسن التواصل والابتسامة المشفوعة بعبارات طمأنة في أجواء يسودها التفاؤل والتحفيز من الآليات الفعالة لتسهيل تأقلم الأطفال، كما تعزز اللقاءات التواصلية بين المدرسة وأولياء الأمور القدرة على معالجة الصعوبات المعرفية أو السلوكية التي قد تواجه كل تلميذ على حدة.
وفي هذا السياق، تؤكد ليلى، وهي أم لطفل في سن الخامسة، أنها بدأت تهيئة ابنها منذ أسابيع عبر تنظيم أوقات نومه وتوعيته بأهمية احترام قواعد القسم، مع تشجيعه بهدايا رمزية على التزامه، إلى جانب التنسيق مع إدارة المدرسة لضمان تكيفه مع بيئته الجديدة.
ومن جانبها، تشدد الأخصائية النفسية فتيحة ملول على أن الاستعداد المبكر يخفف كثيرا من وطأة الانتقال إلى الحياة المدرسية. وتوصي بخلق بيئة تعليمية داخل المنزل في أواخر العطلة الصيفية من خلال أنشطة تجمع بين الترفيه والقراءة والتلوين، مع إعادة تنظيم الوقت وإسناد مسؤوليات بسيطة للطفل لتعزيز إحساسه بالالتزام والاستقلالية.
كما تنبه إلى أهمية الحوار الإيجابي الذي يغرس في الطفل حب المدرسة عبر خطاب مشوق يثير حماسه للقاء أصدقائه وتجربة مستويات دراسية جديدة.
وتبرز الأخصائية أن معالجة هاجس ابتعاد الطفل عن أسرته تتطلب مرونة وصبرا كبيرين، عبر إشاعة مشاعر الحب والأمان والتعاون بين الأسرة والمدرسة، بما يحميه من صدمات الانفصال ويدعم مناعته النفسية وقدرته على التكيف مع بيئة جديدة.
ويُعتبر هذا التدرج في التأهيل عاملا أساسيا لتجاوز الخوف والقلق، وضمان انطلاقة مدرسية ناجحة تنعكس إيجابا على مساره التعليمي والشخصي.