مدير النشر: يونس سركوح
أصبحت المنظمات غير الحكومية بالمغرب (الجمعيات) فاعلا محوريا في دعم التنمية المحلية، من التعليم والصحة إلى التنمية الاجتماعية وتمكين النساء والشباب، فضلا عن حماية البيئة وحقوق الإنسان. غير أن تنامي حجم التمويلات الأجنبية الموجهة إلى بعض الجمعيات والتعاونيات أثار نقاشا واسعا حول طبيعة هذا الدعم وحدوده، وتأثيره المحتمل على استقلالية القرار الجمعوي وترتيب الأولويات الوطنية.
ويتنوع التمويل الدولي الموجه إلى المنظمات المغربية بين مؤسسات دولية رسمية، كــوكالات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، ووكالات تنموية حكومية كـالوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) والوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ)، إضافة إلى منظمات غير حكومية أجنبية تنشط في مجالات متعددة. ويجمع المراقبون على أن هذا التنوع يتيح فرصا لتبادل الخبرات وتعزيز القدرات، لكنه يطرح في الوقت ذاته تحديات مرتبطة بضمان التوافق مع الإطار القانوني الوطنـي والحفاظ على استقلالية العمل الجمعوي.
ويؤكد خبراء أن التمويل الصادر عن المؤسسات الدولية الرسمية يخضع عادة لقواعد دقيقة تتعلق بالشفافية والمحاسبة وتقييم المشاريع، ما يقلص المخاطـر المرتبطة بسوء التدبير أو الانحراف عن الأهداف المعلنة. بالمقابل، يتميز التمويل القادم من منظمات غير حكومية أجنبية أحيانا بمرونة أكبر، وهو ما قد يفتح المجال لتوجيه المشاريع نحو برامج أو مقاربات لا تتوافق دائما مع حاجيات المجتمع المحلي.
ويحذر المختصون من أن بعض أشكال التمويل الخارجي قد تشجع على الأفكار المتطرفة، الإنفصالية، الترويج للمثلية الجنسية، ونشر ثقافات دينية مختلفة، وهو ما قد يخلق توترا بين أهداف المجتمع المدني والتوجهات الوطنية، ويهدد استقلالية القرار الجمعوي، إذا لم يتم وضع آليات واضحة للرقابة والمحاسبة.
وفي هذا السياق، يجب فتح تحقيق في الموضوع، لتحديد طبيعة التمويلات الأجنبية، ومدى توافقها مع القوانين المؤطرة للعمل الجمعوي، واحترام الثوابت الوطنية. كما يرى المتابعون أن هذا التحقيق ينبغي أن يواكبه وضع آليات واضحة لمنح ومراقبة التمويلات الأجنبية، تشمل:
– تتبع مصادر الأموال وأوجه صرفها.
– تقييم أثر المشاريع المنجزة ومدى انسجامها مع الأولويات الوطنية.
– ربط المسؤولية بالمحاسبة لضمان الالتزام بالقوانين والمعايير المؤسسية.
ويؤكد المختصون أيضا على وجوب طلب الترخـيص القبلي قبل الحصول على أي تمويل دولي، باعتباره إجراء وقائيا للتـحقق من الجهات المانحة وأهداف التمويل ومجالات صرفه، بما يضمن انسجام الدعم مع الأولويات الوطنية دون المساس بحرية العمل الجمعوي.
ويخلص المتابعون إلى أن اعتماد مقاربة تنظيمية قائمة على المـراقبة، المحاسبة، والترخيص المسبق، بدل المنع أو التضييق، من شأنه أن يحـصن العمل الجمعوي، ويضمن استقلالـية القرار، ويعزز الثقة بين المجتمع المدنـي والقطاع العمومي، ويكرس دور المنظمات غير الحكومية كمكون أساسي في التنمية الوطنية.
وفــي سياق متصل، يمثل التمويل الدولي فرصة مهمة لدعم قدرات الجمعيات المغربية، لكنه في الوقت ذاته يفرض تحديات تتـعلق بالشفافية، واستقلالية القرار، وضمان أن تظل الأولويات المحلية في قـلب العمل الجمعوي، مع وضع آليـات تنظيمية واضحة للتمويل، والمراقبة، والمحاسبة بما يخدم التنمية المستدامة ويحمي مصالح المجتمع والوطــن.