السردين ثروة وطنية بين شح الموارد وضرورة إعادة النظر في تصديره كمادة خام

تحقيقـ24 تحقيقـ24

 

لم يعد السردين مجرد منتوج بحري يندرج ضمن السلسلة التقليدية للاستهلاك اليومي، بل أضحى اليوم موردا استراتيجيا تفرض التحولات البيئية والاقتصادية الراهنة إعادة تقييم طرق استغلاله وتدبيره. ففي ظل المؤشرات المتزايدة على تراجع المخزون السمكي بالمحيط الأطلسي، وتفاقم الإكراهات التي يعيشها قطاع الصيد البحري، يبرز السردين كأحد أكثر الموارد عرضة للاستنزاف غير المباشر.

ويثير استمرار تصدير السردين كمادة خام، في سياق يتسم بشح الموارد وضغوط متزايدة على الأمن الغذائي، نقاشا واسعا حول جدوى هذا التوجه وانعكاساته على الاقتصاد الوطني. فالتصدير دون تثمين صناعي محلي لا يحرم السوق الداخلية من مادة أساسية فحسب، بل يفوت أيضا فرصا حقيقية لإحداث قيمة مضافة، وتعزيز النسيج الصناعي المرتبط بالتصبير والتحويل الغذائي، فضلا عن خلق مناصب شغل مستقرة لفائدة اليد العاملة المحلية.

من منظور اقتصادي، يشكل السردين مادة أولية ذات إمكانات عالية في سلاسل الإنتاج الغذائي، إذ يمكن توجيهه نحو التصنيع والتعليب محليا بما يضمن رفع قيمته التجارية، ويعزز تنافسية المنتوج المغربي في الأسواق الخارجية. أما تصديره بثمن منخفض ليستفيد منه فاعلون صناعيون خارج المنظومة الوطنية، فيطرح إشكالية اختلال في توزيع العائدات واستنزاف غير مباشر للثروة السمكية.

وعلى المستوى الاجتماعي، يرتبط السردين بشكل وثيق بالتوازن الاقتصادي للمناطق الساحلية، حيث يشكل مصدر رزق رئيسي لآلاف الصيادين والعاملين في القطاعات المرتبطة بالصيد البحري. إن حماية هذا المورد تندرج ضمن مقاربة شمولية تهدف إلى دعم الاستقرار الاجتماعي، وضمان استدامة نشاط اقتصادي حيوي يساهم في تأمين العيش الكريم لعدد كبير من الأسر.

ولا يتعلق الأمر بالدعوة إلى المنع المطلق أو اتخاذ قرارات ارتجالية، بل بضرورة بلورة سياسة عمومية متوازنة تعيد ترتيب الأولويات الوطنية، من خلال اعتبار الأمن الغذائي رافعة أساسية، وتشجيع التثمين المحلي، وضمان الاستغلال المستدام للموارد البحرية. فالسردين، باعتباره ثروة وطنية، يستدعي مقاربة عقلانية تزاوج بين متطلبات السوق، وحاجيات المواطنين، وإكراهات المحافظة على المخزون السمكي للأجيال المقبلة.

إن الرهان الحقيقي اليوم لا يكمن في تحقيق أرباح سريعة، بل في تبني رؤية استراتيجية طويلة الأمد تضع الاستدامة في صلب السياسات العمومية، وتجعل من الثروة السمكية ركيزة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة.

اترك تعليقا *

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا يمكن نسخ هذا المحتوى.