السلطة الرابعة تفقد مصداقيتها .. عندما يصبح “المعلم” و”الحلاق” صحافياً.

الزهرة زكي

بقلم الصحافي يونس سركوح،

لم تكن الصحافة يومًا مجرد مهنة، بل كانت أداة قوة لتوجيه الرأي العام ونقل الحقيقة بحيادية وموضوعية. ولكن في الآونة الأخيرة، بدأت السلطة الرابعة تشهد تغييرات غير مألوفة، حيث أصبح من الممكن أن يجد الجمهور نفسه أمام أخبار وأحداث تشوبها الشكوك، في ظل دخول فئات جديدة على مهنة الصحافة بشكل غير مؤهل، وفي مقدمتهم “المعلم” و”الحلاق” الذين أصبحوا يمارسون الصحافة دون أي تكوين مهني أو التزام بالقوانين المنظِّمة لها.

ما يجذب الانتباه في هذا السياق هو أن بعض المعلمين، الذين يفترض أن يكونوا ملتزمين بقوانين الوظيفة العمومية وأخلاقيات المهنة التعليمية، أصبحوا يمارسون الصحافة بشكل غير قانوني، وهو أمر يتناقض مع تعاليم وقيم مهنة التعليم التي يفترض أن يتحلى بها هؤلاء. فبدلاً من أن يتفرغوا لتعليم الأجيال القادمة وتوجيههم، نجدهم ينشغلون بإنتاج محتوى إعلامي يفتقر إلى الاحترافية، بل ويخدم مصالح شخصية على حساب الحقيقة والمهنية.

وفي الوقت ذاته، لم يعد غريبًا أن نجد الحلاق أو النجار أو الميكانيكي يتحولون إلى “صحافيين” على منصات الإنترنت أو عبر وسائل الإعلام الاجتماعية، حيث يكتبون مقالات وينشرون أخبارًا بلا أي معيار مهني. هؤلاء الذين لم يخضعوا لأي تدريب في مجال الصحافة، صاروا يتصدرون المشهد الإعلامي، ويؤثرون على الرأي العام بأسلوب بعيد عن الموضوعية والمصداقية.

الأسوأ من ذلك، أن هذا الفوضى الإعلامية لم تجد من يضع لها حدًا. فالمجال الصحافي في المغرب يتضمن قوانين واضحة تلزم من يزاول هذه المهنة بالحصول على بطاقة الصحافة المعترف بها، وهي شروط لا تلتزم بها غالبية هذه الفئات المتطفلة. وإذا كانت الصحافة بالفعل سلطة رابعة، فإنها اليوم تخضع لابتزازٍ علني تحت مسمى “حرية التعبير”، وهو ما يزيد من تدهور مصداقيتها في المجتمع.

إضافة إلى ذلك، لا تقتصر هذه الظاهرة على فئات غير مؤهلة فحسب، بل تشمل أيضًا صحافيين حقيقيين ضاعوا في بحر من الضغوطات والمصالح الشخصية، مما أدى إلى تراجع قيمة الأخبار والمحتوى الإعلامي بشكل عام. فقد تحول الإعلام إلى وسيلة للابتزاز أو التشهير في بعض الأحيان، حيث يتم استخدامه لأغراض شخصية، سواء كانت مالية أو سياسية، دون أن تُتخذ أية خطوات حاسمة من السلطات المعنية لضبط الأمور.

إذا كانت الصحافة حقًا تمثل سلطة رابعة، فإن غياب الرقابة الدقيقة على من يمارسها جعلها تفقد مصداقيتها. فالأخبار المغلوطة والشائعات باتت تتسابق على منصات الإعلام الاجتماعي، تزامنًا مع تزايد أعداد الذين انتحلوا صفة الصحافي بعيدًا عن ضوابط المهنة وأخلاقياتها. إن هذا الوضع ليس فقط تهديدًا لمصداقية الصحافة، بل هو تهديد حقيقي لمستقبل الإعلام في المغرب.

الصحافة يجب أن تكون مرآة حقيقية للمجتمع، وأن تساهم في بناء وعينا الجماعي وفقًا للقيم الإنسانية والمهنية. إلا أن الواقع اليوم يُظهر أن مهنة الصحافة قد تحولت إلى حلبة مفتوحة لانتشار الفوضى، مع تدخل جهات غير مؤهلة، ما يتطلب تحركًا عاجلاً من الجهات المعنية للحد من هذه الظاهرة. لا بد من فرض رقابة صارمة على الممارسين الإعلاميين، وتشديد العقوبات ضد منتحلي صفة الصحافي، حتى نعيد للصحافة مكانتها الحقيقية كوسيلة لنقل الحقيقة والارتقاء بالوعي العام.

الصحافة ليست مجرد وسيلة للربح السريع أو لتحقيق مكاسب شخصية، بل هي مسؤولية كبيرة تتطلب الالتزام بالقيم والأخلاقيات، وإذا لم نعيد ترتيب الأولويات وتنظيم هذا القطاع، فإننا نهدد بتفريط كبير في إحدى أهم المؤسسات التي يمكن أن تساهم في بناء المجتمعات وتحقيق التغيير الإيجابي.

لا يمكن نسخ هذا المحتوى.