تشهد الساحة الإعلامية في السنوات الأخيرة تحولات عميقة أثرت بشكل مباشر على طبيعة الصحافة ومصداقيتها. مع انتشار التكنولوجيا الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، ظهرت مواقع وصفحات يديرها موظفون عموميون وبعض المنتخبين الذين استغلوا هذه المنصات لأغراض شخصية، متجاهلين القواعد الأخلاقية التي يفترض أن تحكم هذا المجال.
في ظل غياب رقابة صارمة، لجأ بعض الموظفين العموميين والمنتخبين إلى إنشاء مواقع إلكترونية تحت غطاء العمل الإعلامي، لكن الغاية الحقيقية من وراء هذه الخطوة هي تزيين صورتهم الشخصية والترويج لإنجازاتهم. هذه المواقع لا تكتفي بنشر أخبار منحازة، بل تعمل أيضًا على مهاجمة أي جهة تنتقد أدائهم أو تشكك في مصداقيتهم. هذا الوضع يثير تساؤلات جدية حول مستقبل الصحافة المهنية التي باتت تنافسها “صحافة المصالح الشخصية”.
استغلال هذه المواقع لأغراض شخصية لا يقتصر على تلميع الصورة، بل يمتد إلى التأثير على الرأي العام باستخدام وسائل غير مهنية. ومن المؤسف أن هذا السلوك يساهم في تراجع الثقة بالمؤسسات الإعلامية، حيث يصبح من الصعب على الجمهور التمييز بين الإعلام الحقيقي والمغرض.
لحماية الصحافة من هذه التجاوزات، من الضروري اتخاذ إجراءات حازمة تبدأ بتفعيل قوانين تمنع انتحال صفة الصحافي أو استغلال الإعلام لتحقيق مكاسب شخصية. كما يجب فرض شفافية أكبر على المواقع الإلكترونية، مع ضرورة مساءلة أي جهة يثبت تورطها في استغلال الإعلام لأغراض غير مشروعة.
الصحافة ليست مجرد وسيلة لنقل المعلومات، بل هي ركيزة أساسية في بناء مجتمعات ديمقراطية قائمة على الشفافية والمحاسبة. لذلك، يجب على جميع الأطراف المعنية، من جهات تنظيمية وصحافيين وجمهور، العمل معًا لإعادة الاعتبار لهذه المهنة النبيلة وحمايتها من الاستغلال والتسيب.