أصدرت النيابة العامة قراراً يقضي بحفظ الملف المتعلق بالممثلة والمؤثرة المغربية غيثة عصفور، وذلك بعدما تبين من خلال الأبحاث الأولية أن الوقائع المنسوبة إليها لا تستوفي الشروط القانونية الكفيلة بترتيب المتابعة الجنائية. هذا القرار جاء ليضع حداً للنقاش العمومي الواسع الذي رافق توقيفها رفقة شخصين آخرين، على خلفية شكاية أثارت في بداياتها الكثير من الجدل بعدما وُصفت العلاقة المعنية بأنها مشبوهة.
من الناحية القانونية، فإن حفظ الملف يعني أن النيابة العامة لم تجد في القضية عناصر كافية تبرر المتابعة أمام القضاء، سواء من حيث الأفعال المجرّمة أو من حيث قوة الأدلة المعتبرة. فالقانون المغربي يشترط لقيام المسؤولية الجنائية توافر الركنين المادي والمعنوي للجريمة، إضافة إلى وجود قرائن يقينية تؤكد الاتهام، وهو ما لم يتحقق في هذه الحالة. وبذلك يكون قرار الحفظ قد رفع أي التزام قضائي عن المعنية بالأمر، مؤكداً أن الشبهات وحدها لا تكفي لمتابعة الأشخاص جنائياً.
هذا التطور يسلط الضوء على مسألة أعمق تتعلق بحدود تدخل السلطة العمومية في القضايا المرتبطة بالحياة الخاصة للأفراد، والتي كثيراً ما تتحول إلى قضايا رأي عام تطغى عليها الخلفيات الأخلاقية أكثر من المعايير القانونية الصرفة. ورغم أن بعض الملفات قد تثير نقاشاً اجتماعياً محتدماً، إلا أن القضاء يظل ملزماً بالفصل فيها وفق الأدلة القانونية لا وفق الانطباعات أو الضغوطات الآتية من الرأي العام أو من وسائل الإعلام.
ويعيد هذا القرار الاعتبار لمبدأ قرينة البراءة، باعتباره من الركائز الأساسية للعدالة الجنائية، حيث لا تتم مؤاخذة أي شخص إلا بناء على حكم قضائي نهائي يستند إلى أدلة يقينية. وفي هذا السياق فإن تبرئة غيثة عصفور عبر قرار الحفظ تمثل تكريساً واضحاً لهذا المبدأ، ورسالة بأن العدالة الجنائية في المغرب تعمل وفق معايير موضوعية صارمة، بعيدة عن التأثيرات الخارجية.
إن حفظ الملف لا يعد مجرد إجراء قانوني في حق شخصية عمومية، بل هو أيضاً تعبير عن التزام المؤسسة القضائية بروح القانون، وتأكيد على أن حماية الحقوق الفردية واحترام الخصوصية لا تقل أهمية عن حماية النظام العام. كما أنه يعكس نوعاً من التوازن بين متطلبات العدالة وحق المجتمع في المعرفة، وبين ضرورة تحصين الأفراد من أي مساس بحياتهم الخاصة دون وجود أدلة مادية واضحة.
وبهذا القرار تكون النيابة العامة قد أنهت جدلاً واسعاً ارتبط باسم غيثة عصفور، لتؤكد مرة أخرى أن العدالة في المغرب تُبنى على الأدلة والقانون، لا على الشبهات أو التأويلات، وأن الحياة الخاصة للمواطنين تظل محمية بموجب الدستور والقوانين الجاري بها العمل، مهما كان وزن الجدل الاجتماعي أو حجم التفاعل الإعلامي المحيط بالقضية.
