يونس سركوح
في أيام الاستعمار الفرنسي، كان هناك مكان بعيد في جبال سوس، حيث كان الأمازيغ يعملون بكل طاقتهم تحت أعين الجنرالات الفرنسيين، الذين كانوا يشرفون على تعبيد الطرقات وبناء المنشآت. كانت تلك الأيام صعبة وقاسية، والشمس حارقة، والجهد لا يتوقف. إلاأن أمازيغ سوس كان لديهم طريقتهم الخاصة في مقاومة التعب، ليس فقط بالجسد بل بروحهم التي لا تنكسر.
في استراحاتهم القصيرة، كان الأمازيغي يأخذ نفسًا عميقًا من هواء الجبال البارد، وتبدأ أيديه في تحضير “أتاي” أو الشاي، ذلك المشروب الذي لا غنى عنه في حياتهم اليومية. كانت لحظات الراحة تلك تثير فيها الذكريات وتفتح فيها أبواب الحديث بين العمل والتعب، وبين تاريخ الأجداد وآمال المستقبل. وبالطبع، كان البراد، الذي يحمل بين طياته ذكريات طويلة، هو الأداة التي تجمعهم معًا في تلك اللحظات السحرية.
لكن ما جعل هذا البراد مختلفًا عن غيره هو اسمه الغريب “تلبرات تليمانت”، الذي يسأل الكثيرون عن مصدره وأصله. في البداية، كان يُعتقد أن البراد يحمل في تصميمه بصمات ألمانية، ربما لأن شكله كان مختلفًا عن الأنواع الأخرى من البراد. لكن القصة الحقيقية وراء الاسم لا تقتصر على ذلك.
في يوم من الأيام، بينما كان الجنود الفرنسيون يراقبون أمازيغ سوس وهم يشربون الشاي بالنعناع، قال أحد الجنرالات الفرنسيين عن غير قصد: “thé à la menthe” أي “الشاي بالنعناع”. لكن الأمازيغ، الذين لم يتقنوا اللغة الفرنسية، لم يفهموا الكلمات جيدًا. ما سمعوه كان “تلبرات تليمانت”، وهو ما تحول مع مرور الوقت إلى الاسم الشائع لهذا البراد بين أمازيغ سوس.
“تلبرات تليمانت” لم يكن مجرد أداة لصنع الشاي؛ بل كان رمزًا للكرم، والضيافة، وذكريات لا تُنسى عن مقاومة الاحتلال. في كل مرة كان يتم فيها إعداد الشاي، كانت تلك اللحظة تتحول إلى فرصة للحديث عن الماضي والمستقبل، وعن أرض الأجداد التي كانت تتنفس رغم الاستعمار.
ومنذ ذلك الحين، أصبح “تلبرات تليمانت” أكثر من مجرد براد؛ أصبح جزءًا من هوية أمازيغ سوس. براد يحمل في طياته قصصًا، وطموحات، وعزيمة لا تُكسر، ورغم مرور الزمن، بقي هذا البراد شاهداً على تلك الأيام، رمزًا للروح التي لا تزال حية في قلوب أمازيغ سوس.