يونس سركوح،
في كل موسم رمضاني، ينتظر جمهور الدراما الأمازيغية بشغف الأعمال التي ستُعرض على القناة الأمازيغية، أملاً في أن تواصل هذه الصناعة تقديم محتوى يلامس تطلعاتهم الثقافية والاجتماعية. ولكن، كما جرت العادة، يظل التحدي قائماً في أن تُقدّم هذه الأعمال ما يواكب التطورات التقنية والفنية التي يشهدها عالم الإنتاج التلفزيوني. وفي هذا السياق، يأتي مقارنة بين مسلسل “بابا علي” الذي حقق نجاحاً باهراً في مواسمه الأربعة، والمسلسل الرمضاني “إليس ووشن” الذي واجه صعوبات في جذب الجمهور، لتكشف عن العديد من الدروس التي قد تشكل علامة فارقة في مستقبل الدراما الأمازيغية.
ما جعل “بابا علي” يحظى بهذا النجاح الباهر يكمن في أساسه المتين الذي جمع بين سيناريو محكم وأداء تمثيلي متميز، إضافة إلى إخراج فني قلّ نظيره في الدراما الأمازيغية. مسلسل بذكاء فني استطاع أن يترجم هموم المجتمع الأمازيغي ويحاكي قضاياه المعاصرة بأسلوب قريب إلى القلب، مما جعله أكثر من مجرد مسلسل. أصبح مسلسل “بابا علي” جزءاً من الذاكرة الرمضانية للأمازيغ، وأيقونة من أيقونات الثقافة الشعبية، حيث تسابق الجميع لمتابعته في رمضان وناقشوه في كل مكان. ولعل ما يميز هذا العمل هو قدرته على جذب جمهور متنوع، ليس فقط من داخل المجتمع الأمازيغي بل من خارجه، وهذا بفضل تقديمه لقيم إنسانية تشترك فيها كافة الثقافات.
على النقيض، جاء مسلسل “إليس ووشن” ليحمل في طياته تطلعات كبيرة ولكنه فشل في ترجمتها على الشاشة. بعد 6 حلقات فقط من عرضه، كانت أرقام المتابعة على منصات يوتيوب شاهدة على ضعفه الواضح. رغم تضمّن العمل لعدد من النجوم المعروفين في الساحة الأمازيغية، إلا أن عناصر الإنتاج كانت دون المستوى. السيناريو جاء باهتاً، مفتقداً للحبكة القوية التي تشد الانتباه، والإخراج كان بمثابة تكرار لفن قديم لا يتماشى مع توقعات الجمهور الأمازيغي الذي أصبح أكثر نضجاً في استهلاك الفن. النتيجة كانت واضحة: مسلسل لم يتمكن من بناء علاقة حقيقية مع الجمهور، فظل في المنطقة الرمادية بين الفشل والتجاهل.
لقد أثار مسلسل “إليس ووشن” جدلاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اجتذب انتقادات لاذعة من العديد من المتابعين والنقاد على حد سواء. فبينما كان البعض يعبر عن خيبة أمله بسبب ضعف السيناريو والإخراج، أبدى آخرون استياءهم من الأداء التمثيلي الذي لم يرق إلى مستوى تطلعاتهم. ومع ذلك، كانت هناك أصوات تدعو إلى منح المسلسل فرصة، مع التمني بأن تتحسن الحلقات المقبلة وتقدم مستوى أفضل من حيث القصة والأداء.
وفي المقابل، كانت التعليقات الإيجابية على “بابا علي” أكثر وضوحاً وانتشاراً، حيث أشاد الجمهور بتجربة المسلسل التي استطاعت أن تجمع بين الأصالة والحداثة، مع التأكيد على الأثر الكبير الذي خلفه في الموسم الرمضاني. لقد أثبت هذا المسلسل نجاحه ليس فقط في جذب المتابعين بل وأيضاً في تحفيز الحوار والنقاش حول القضايا الاجتماعية والثقافية.
ولا يختلف اثنان في أن ما حققه مسلسل “بابا علي” من نجاح كان ثمرة لعدة عوامل متكاملة: محتوى ثقافي عميق، حبكة درامية مميزة، وإنتاج تقني على أعلى مستوى. بينما في مسلسل “إليس ووشن”، فشل في تقديم ما يعكس مستوى الانتظارات العالية التي كان يتطلع إليها الجمهور. هذا الفشل يجب أن يُنظر إليه كدعوة للانتباه إلى مسألة مهمة؛ جودة الإنتاج هي الركيزة الأساسية التي تبنى عليها الأعمال الفنية الناجحة، سواء كان الأمر يتعلق بالسيناريو أو الإخراج أو حتى التقنيات الفنية مثل التصوير والموسيقى التصويرية.
الدراما الأمازيغية اليوم أمام مفترق طرق. إما أن تواصل السير على درب الابتكار والإبداع كما فعلت مع “بابا علي”، وتستمر في تقديم أعمال متميزة تجذب الجميع، أو تبقى حبيسة التكرار والركود كما شهدنا في الحلقات الأولى من مسلسل “إليس ووشن”. لا شك أن في الساحة الأمازيغية العديد من المواهب التي يمكن أن تساهم في الرفع من مستوى الإنتاج الفني، ولكن ذلك يتطلب استثماراً أكبر في الكتابة، الإخراج، وكذلك التقنيات الحديثة في الإنتاج.
إن نجاح مسلسل “بابا علي” يجب أن يُعتبر درساً في كيف يمكن للمحتوى الفني الأمازيغي أن يلامس قلوب الناس ويحظى بإعجابهم. ولكن على صناع الدراما أن يتعلموا من فشل “إليس ووشن”، الذي يعكس أن التوجهات التجارية وحدها لا تكفي، بل يجب أن يُبنى العمل الفني على أساس ثقافي وفني رصين. على القناة الأمازيغية وصناع المسلسلات الأمازيغية أن يتبنوا استراتيجية إبداعية تدمج بين التقليد والحداثة، لأن الفن الأمازيغي يمتلك من المقومات ما يجعله قادراً على تقديم أعمال تلفزيونية تليق بجمهوره وتحقق النجاح الباهر الذي يستحقه.
ونتمنى أن تكون الحلقات المتبقية من مسلسل “إليس ووشن” متميزة، وأن تتيح للمشاهد فرصة لاستعادة الأمل في الدراما الأمازيغية، كما فعلت في “بابا علي”، لتعود هذه الصناعة إلى الواجهة وتستحق مكانتها بين الأعمال الرمضانية التي تترك أثراً عميقاً لدى الجمهور.