خطاب عيد العرش 2025: رؤية ملكية لتعزيز التنمية المجالية وترسيخ العدالة الاجتماعية

tahqiqe24

تحقيقـ24 ـــ هيئة التحرير

في مناسبة وطنية تتسم بالرمزية والدلالات التاريخية والسياسية العميقة، ألقى صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، خطابا ساميا بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش المجيد، جدد فيه التأكيد على الثوابت الوطنية، وأبرز توجهات المرحلة المقبلة التي يسير فيها المغرب بخطى واثقة نحو تعزيز موقعه كدولة صاعدة، مع ما يقتضيه ذلك من ترسيخ التنمية المجالية الشاملة وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية.

  • التنمية الشاملة أساس مغرب موحد ومتقدم

جلالة الملك استهل خطابه بالتأكيد على أن الاحتفال بعيد العرش ليس مجرد لحظة رمزية، بل مناسبة سنوية للوقوف على منجزات الأمة، وتقييم ما تحقق من مكتسبات، واستشراف المستقبل برؤية متفائلة وإرادة قوية. وأوضح أن ما تحقق من تطور لم يكن وليد المصادفة، بل نتيجة رؤية استراتيجية بعيدة المدى، قامت على الأمن والاستقرار، وصواب الاختيارات التنموية الكبرى.

ولم يفت جلالته التذكير بأن المملكة، رغم الأزمات المتعددة – كالجفاف والتقلبات الدولية – حافظت على نسبة نمو منتظمة، وشهدت نهضة صناعية غير مسبوقة، خاصة في قطاعات السيارات، الطيران، الطاقات المتجددة، الصناعات الغذائية والسياحة، والتي أصبحت رافعات حقيقية للاقتصاد الوطني.

  • من الإنجاز الاقتصادي إلى العدالة المجالية

في مقطع لافت، وجه جلالة الملك رسالة واضحة، مفادها أن التنمية الاقتصادية، رغم أهميتها، تظل غير مكتملة إن لم تنعكس إيجابا على الحياة اليومية للمواطنين، لا سيما في المناطق الهشة والمحرومة من البنيات الأساسية. وعليه، دعا إلى تجاوز المقاربات التقليدية في التعاطي مع التنمية الاجتماعية، واعتماد رؤية ترابية مندمجة تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل جهة، وتؤسس لمنظور تنموي أكثر عدالة وفعالية.

كما دعا إلى جيل جديد من برامج التنمية، يرتكز على التشغيل المحلي، وتحسين الخدمات الاجتماعية الأساسية في مجالي التعليم والصحة، بالإضافة إلى التدبير الاستباقي للموارد المائية، ومشاريع التأهيل الترابي، في انسجام مع الأوراش الوطنية الكبرى.

  • دعوة لحوار سياسي ومناخ انتخابي سليم

وفي أفق الاستحقاقات التشريعية المرتقبة سنة 2026، دعا جلالة الملك الحكومة إلى الإسراع بإعداد المنظومة المؤطرة للانتخابات التشريعية، وإرساء أرضية قانونية واضحة ومعتمدة قبل نهاية السنة الجارية، مع فتح باب المشاورات السياسية مع مختلف الفرقاء، في إطار احترام الخيار الديمقراطي ودولة المؤسسات.

  • رسائل خارجية… اليد الممدودة نحو الجزائر والدفاع عن مغربية الصحراء

خطاب العرش لم يغفل الجانب الدبلوماسي، حيث جدد الملك محمد السادس موقف المغرب الثابت تجاه الجزائر، واصفا الشعب الجزائري بالشقيق، ومؤكدا على أن المغرب سيظل منفتحا على حوار صريح ومسؤول، يتجاوز الخلافات الظرفية، ويخدم تطلعات الشعبين الجارين نحو مستقبل مشترك.

وفيما يتعلق بالقضية الوطنية، عبر جلالة الملك عن اعتزازه بمواقف الدعم الدولي المتنامي لمبادرة الحكم الذاتي، وخاصة موقفي المملكة المتحدة والبرتغال، مشددا على أن الحل التوافقي هو المدخل الأسلم لتسوية النزاع، بما يحفظ ماء وجه جميع الأطراف ويعزز الاستقرار الإقليمي.

  • ختام وفاء وتقدير

اختتم الملك خطابه بتحية إشادة لكل الأجهزة الأمنية والعسكرية والإدارية، عرفانا بتفانيها في خدمة الوطن وحماية وحدته الترابية. كما استحضر أرواح ملوك المغرب الراحلين، محمد الخامس والحسن الثاني، وخصهم بدعاء الرحمة والرضوان.

  • تحليل : خطاب بمنطق الدولة والعدالة الترابية

يتميز الخطاب الملكي لهذه السنة بتكثيف المفاهيم الاستراتيجية التي تتجاوز المعالجة الظرفية للقضايا، لتؤسس لمشروع وطني قائم على “العدالة المجالية” و”التنمية المتوازنة”. ويتضح من خلال هذا التوجه الملكي أن المغرب يدخل مرحلة جديدة من “توطين التنمية”، حيث تصبح الجهات والحواضر القروية فاعلا وشريكا، وليس مجرد متلق للقرارات المركزية.

كما أن التأكيد على ربط التنمية الاقتصادية بتحسين ظروف العيش يؤسس لتقاطع جديد بين النمو الاقتصادي والسياسات الاجتماعية، في أفق إعادة توزيع الثروة وتحقيق الإنصاف الترابي. أما من الناحية السياسية، فإن الدعوة لتهيئة الإطار القانوني للانتخابات التشريعية المقبلة تعكس التزاما مؤسسيا بإعمال مبدأ التداول الديمقراطي، وترسيخ الخيار الانتخابي كمكون من مكونات الاستقرار السياسي.

وفي البعد الخارجي، تكرس الرسائل الملكية ثنائية الانفتاح والمسؤولية، من خلال مد اليد للجوار، دون التفريط في الثوابت السيادية، وهو ما يضفي على السياسة الخارجية للمملكة طابعا متوازنا، يجمع بين المرونة والصرامة.

في المجمل، يندرج خطاب العرش لسنة 2025 ضمن سلسلة الخطابات المرجعية التي ترسم معالم مغرب المستقبل: مغرب مزدهر، عادل، متضامن، ومنفتح على العالم.

لا يمكن نسخ هذا المحتوى.