الإعلام الجهوي بكلميم وادنون على حافة الانهيار: دراسة ترصد أزمة مهنية واقتصادية خانقة

ياسين لتبات

أصدر اتحاد المقاولات الصحفية بجهات الصحراء الثلاث دراسة معمقة في مرحلتها الأولى شملت جهة كلميم وادنون، حاول من خلالها تشخيص واقع الإعلام الجهوي وتشريح معاناة المقاولات الصحفية والصحفيين العاملين بها.

وقد دقت الدراسة ناقوس الخطر بشأن مستقبل الصحافة في المنطقة، مؤكدة أن الوضع الحالي ينذر بأزمة غير مسبوقة قد تعصف بالمؤسسات القائمة.

الدراسة صنّفت المؤسسات الصحفية بالجهة إلى صنفين: الأول يضم مؤسسات قانونية، مهيكلة بشكل ذاتي، وتحترم نسبياً شروط المهنية.

أما الثاني، فيتعلق بمؤسسات تعاني من اختلالات مرتبطة بالأقدمية أو الأهلية أو الاستقلالية، فضلاً عن انتحال الصفة المعنوية وغياب المؤهلات العلمية الدقيقة، أو الاعتماد على شواهد مشكوك في قيمتها.

ورغم محاولتها الاضطلاع بدورها الطبيعي في جمع الأخبار وصياغة التقارير الإخبارية حول الشأن المحلي والوطني والدولي، إلا أن المؤسسات الصحفية بالجهة تصطدم بواقع صعب يتمثل أساساً في غياب تام للحق في الولوج إلى المعلومة الدقيقة، إضافة إلى نزعة متعمدة لدى بعض المسؤولين والمنتخبين لتجنب إصدار بلاغات توضيحية للرأي العام.

ومع استخدام الوسائط المقروءة والمرئية والمسموعة، فإن هذه المؤسسات تشتغل بموارد محدودة جداً، ما انعكس سلباً على قدرتها على التطوير والتأثير، وحولها إلى كيانات تعمل في ظروف شبه مستحيلة.

الدراسة أظهرت أيضاً غياب نموذج اقتصادي مستدام، وهو ما أفرز نتائج صادمة أبرزها انعدام مداخيل قارة أو عقود إشهار رسمية، وإقصاء ممنهج من سوق الإعلانات الوطنية.

كما كشفت عن غياب شبه تام للحماية الاجتماعية والصحية، وتراكم الديون ومستحقات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، إضافة إلى ضعف أو انعدام المسؤولية الاجتماعية للوحدات الصناعية تجاه الإعلام المحلي، فضلاً عن غياب مطبعة جهوية للجرائد الورقية وانعدام الاستثمار في قطاع الإعلام بالجهة.

كما سجلت الدراسة ضعف البنية التحتية الصحفية وغياب التجهيزات المهنية، واعتماد المجالس المنتخبة على الإعلام الرسمي بشراكات سخية تحت إشراف السلطات الترابية في محاولة لإقصاء المقاولات المحلية.

واضطرت بعض المؤسسات إلى قبول تغطية مهرجانات أو أنشطة محلية بتعويضات زهيدة، في وقت تم فيه إقصاء الصحافة المحلية من حملات إشهارية وطنية كبرى مثل “بحر بلادي”، “دعم السكن”، “التجنيد”، “العمران” أو “اتصالات المغرب”.

ولم يقتصر الأمر على ذلك، إذ تم رصد تخصيص فصول في ميزانيات المجالس المنتخبة للنشر والإعلان دون أن تستفيد منها المقاولات المحلية، بل يتم “اختراع” أسماء بصفة صحفيين وصرف أجور لهم من ميزانية العمال العرضيين.

كما أبرزت الدراسة غياب أي لقاء تواصلي للسلطات مع الصحافة منذ أكثر من عشر سنوات، إلى جانب تراجع ملحوظ في تفاعل المسؤولين مع المحتوى الصحفي الجاد، وهو ما يرفع من منسوب الاحتقان الاجتماعي.

خلصت الدراسة إلى أن المؤسسات الصحفية في جهة كلميم وادنون مهددة بالإفلاس الجماعي قبل نهاية السنة الجارية، وهو ما سيدفع عدداً من الصحفيين إلى مغادرة المهنة نهائياً بحثاً عن موارد بديلة للعيش.

وبالمقارنة مع جهات أخرى من المملكة، تُعتبر صحافة كلميم وادنون الأكثر هشاشة والأشد غرقاً في الديون، حيث يشتغل الصحفيون في بيئة غير آمنة اجتماعياً وصحياً.

كما أشارت إلى أن العديد من الهيئات التنظيمية والمؤسسات الرسمية لا تعتبر القطاع جزءاً من “الصحراء”، وتتعامل بازدواجية معايير مع نفس المجال الترابي.

ولإبراز المفارقة، قارنت الدراسة بين وضع الصحافة بالجهة وتجربة دولة موريتانيا المجاورة، حيث تشتغل المؤسسات الصحفية هناك في مناخ حر وملائم، مع توفير ضمانات اجتماعية تصل إلى حد التفكير في أرامل وأيتام الصحفيين.

في المقابل، يعيش الصحفي بجهة كلميم وادنون بلا تغطية اجتماعية أو أمل في التغيير، في ظل قوانين تفتقر إلى العدالة المجالية والاجتماعية.

وبحسب خلاصات الدراسة التي شملت ثماني عشرة مؤسسة صحفية بالجهة، لا يوجد أي صحفي يتقاضى أجراً قاراً من المقاولات الصحفية أو يستفيد من الأجور الشهرية التي تصرفها الدولة للصحفيين. كما أن مقاولتين محليتين تفرضان على الأجراء أداء واجب الاشتراك في الضمان الاجتماعي مقابل الحصول على بطاقة الصحافة.

استمرار هذا الوضع، وفق التقرير، ينذر بانقراض الصحافة المهنية بجهة كلميم وادنون، ما يعني ضرباً لحق الساكنة في إعلام حر ومسؤول، وإغلاق صفحة مؤسسات صحفية راكمت تجربة رائدة في الترافع عن الشأن العام والقضايا الوطنية.

اترك تعليقا *

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ركن الإعلانات والإشهارات

أبرز المقالات

تابعنا

لا يمكن نسخ هذا المحتوى.