رحيل الشيخ عبد الله باصور.. مسيرة حافلة في خدمة القرآن والعلم الشرعي

tahqiqe24

 

شيعت مدينة القليعة، مساء أمس الأحد 24 غشت 2025 الموافق لـ30 صفر 1447هـ، جثمان العالم الجليل والإمام السابق للمسجد الكبير بأولاد عبو أولاد برحيل، الحاج عبد الله باصور، الذي وافته المنية عن عمر ناهز 81 عاما، بعد مسيرة علمية طويلة كرسها لخدمة القرآن الكريم وتعليم العلوم الشرعية في المدارس العتيقة بمختلف مناطق المغرب. وقد جرت مراسم الدفن عقب صلاة المغرب في جو مهيب، حضره أفراد أسرته وأصدقاؤه وتلامذته ومحبيه، الذين ودّعوا رجلاً أمضى حياته في محراب العلم والعبادة.

ولد الفقيد سنة 1944 بدوار “إذ عيسى” بجماعة ورگان بإقليم الحوز، حيث بدأ مسيرته العلمية بحفظ القرآن الكريم في مسجد قريته، قبل أن ينتقل إلى عدد من المدارس العتيقة في شيشاوة وتارودانت، من أبرزها مدرسة بوعنفير بأيت هادي ومدرسة سيدي علي أومنصور. كما التحق لاحقا بمدارس كبرى أسهمت في تكوينه العلمي، من بينها مدرسة تنالت التي درس فيها على يد الشيخ محمد الحبيب البوشواري، ومدرسة إذاومنو حيث تتلمذ على يد العلامة الزاهد عبد الله أيت وغوري. هناك، نهل علوم التفسير والفقه وأصوله، والحديث وعلومه، إضافة إلى اللغة العربية وآدابها، حتى أصبح من العلماء المشهود لهم بالرسوخ في العلوم الإسلامية.

بعد استكمال تكوينه، انخرط الفقيد في التدريس والإمامة، متنقلا بين عدة مدارس عتيقة. بدأ مساره بمدرسة أيت هادي بإقليم شيشاوة، ثم التحق بمدرسة الأربعاء إيمستيتن بإقليم سيدي إفني، حيث قضى ستة عشر عاما في التعليم والتربية. وانتقل بعدها إلى مدرسة أولاد برحيل بإقليم تارودانت، حيث شغل منصب إمام وخطيب ومدرس لمدة تسع سنوات، قبل أن ينتقل إلى مدرسة أيت أودير بإقليم الصويرة التي أمضى بها زهاء سبع سنوات. وكانت آخر محطاته مسجد دار الدبزة بخميس أيت عميرة بإقليم شتوكة أيت باها، حيث واصل مهامه في الإمامة والتدريس إلى أن أقعده المرض، ليخلفه في المحراب نجله الطيب باصور الذي يسير على خطاه.

لم يكن الشيخ عبد الله باصور مجرد إمام أو مدرس، بل كان قدوة في الزهد والتقوى والتواضع، عرف بكثرة الدعاء والمناجاة، وكان منزله مفتوحا للضيوف والطلبة، إذ تميز بكرمه وحسن ضيافته. ترك أثرا بالغا في نفوس كل من عرفه، سواء من خلال علمه ودروسه أو من خلال أخلاقه وسلوكه الرفيع.

رحل الفقيد بعد أن فقد زوجته للا خدوج قبل ثلاث سنوات، في دجنبر 2022، تاركا خلفه أبناءه محمد والحبيب والطيب، وبناته فاطمة وآمنة ورقية وزينب، إضافة إلى أحفاده وعائلته الكبيرة. وبرحيله، فقدت الساحة الدينية والعلمية أحد رجالاتها الذين نذروا حياتهم لتعليم كتاب الله وترسيخ قيمه، كما فقد طلبته شيخا ومربيا ومرشدا.

غاب الجسد، لكن الإرث العلمي والروحي سيظل شاهدا على مسيرة حافلة بالعطاء، وسيبقى اسم الحاج عبد الله باصور محفورا في ذاكرة المدارس العتيقة والمساجد التي مر بها، وفي قلوب طلبته الذين يواصلون حمل المشعل.
رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

لا يمكن نسخ هذا المحتوى.