هيئة التحرير،
في ظل استمرار التغيرات المناخية وتوالي سنوات الجفاف، يعيش إقليم اشتوكة أيت باها، أحد أبرز الأقطاب الفلاحية على الصعيدين الوطني والدولي، وضعا مقلقا من حيث الأمن المائي، نتيجة استنزاف مفرط وغير منظم للموارد الجوفية، ينذر بتداعيات بيئية وإنسانية وخيمة على المديين القريب والمتوسط.
وتشهد عدة مناطق داخل الإقليم، خاصة بلفاع، وإنشادن، وأيت عميرة، منذ شهور، نشاطا مكثفا لشاحنات صهريجية ضخمة تعمل على نقل كميات كبيرة من المياه المستخرجة من الآبار، بغرض بيعها لعدد من الضيعات الفلاحية الكبرى، التي نضبت مصادرها المائية الداخلية بفعل الحفر العميق والاستغلال المكثف على مدار السنوات الماضية. وتشير مصادر محلية إلى أن هذه الضيعات تعتمد آليات ضخ متطورة تعمل بالطاقة الكهربائية والغازية، وتستهدف آبارا بعمق يتجاوز 200 متر، في محاولة دائمة لتلبية حاجيات زراعات تصديرية كثيفة الاستهلاك للماء.
وقد دفعت محدودية المخزون المائي بعض المستثمرين إلى البحث عن بدائل من خارج أراضيهم، عبر اقتناء صهاريج الماء بنحو 2000 درهم وبيعها لاحقا بثمن يتجاوز 4000 درهم، وهو ما يعتبره العديد من الفاعلين المحليين نموذجا صريحا لـ”تجارة الأزمات”، التي تستغل شح المياه لتحقيق أرباح مضاعفة، على حساب حق الساكنة المحلية في التزود بالماء الصالح للشرب.
ويفاقم الوضع الديمغرافي المتسارع بالإقليم – الذي يعد من أكثر الأقاليم كثافة سكانية بجهة سوس ماسة – من حدة الأزمة، نتيجة الاستقرار الكبير للعمال الزراعيين القادمين من مختلف مناطق المغرب، إلى جانب أعداد متزايدة من المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، وهو ما يولد ضغطا متزايدا على الخدمات والبنيات الأساسية، لا سيما الماء.
ولم يتوقف أثر هذه الشاحنات عند استنزاف المياه فقط، بل امتد إلى البنية التحتية الطرقية، حيث سجلت أضرار معتبرة في عدد من المسالك والطرقات التي أنجزت في إطار برنامج تقليص الفوارق المجالية، بفعل الحمولة الثقيلة لهذه الشاحنات وتكرار مرورها بشكل يومي.
في هذا السياق، عبرت فعاليات حقوقية ومدنية عن قلقها الشديد إزاء ما وصفته بـ”العبث المائي غير الخاضع لأي مراقبة”، مناشدة السيد عامل إقليم اشتوكة أيت باها التدخل العاجل من أجل وضع حد لهذا النزيف، وفتح تحقيق نزيه حول مصادر المياه المستغلة، وطبيعة الرخص المسلمة، ومدى احترام المعايير القانونية والبيئية في عمليات الاستخراج والنقل.
وحذرت ذات الفعاليات من أن استمرار هذا الوضع دون تدخل رادع قد يؤدي إلى أزمة عطش حقيقية، تهدد السلم الاجتماعي والتوازن البيئي في الإقليم، داعية إلى اعتماد سياسة مائية مستدامة توازن بين حاجيات الفلاحة، والحق الدستوري للمواطنين في الماء والحياة الكريمة.
ويجد هذا النقاش المتصاعد صداه في سياقات وطنية أوسع، تعيد طرح إشكالية نموذج التنمية الفلاحية بالمغرب، ومدى قدرته على التوفيق بين التصدير الزراعي من جهة، ومتطلبات الأمن المائي والاجتماعي من جهة أخرى، خاصة في ظل التحديات المناخية المتفاقمة وندرة الموارد الحيوية.