كشفت عملية أمنية نوعية، نُفذت مؤخراً بمدينة الدار البيضاء، عن وجود شبكات إجرامية منظمة تنشط في إعادة تدوير وترويج مواد مسروقة داخل مصانع سرية، خصوصاً بمناطق مولاي رشيد – سيدي عثمان، ومنطقة الهراويين، ما يسلط الضوء على تحديات اقتصادية وأمنية متشابكة.
أفادت المعطيات الأولية للتحقيقات، التي باشرتها المصالح الأمنية، أن الورشات السرية لا تعمل فقط خارج الأطر القانونية، بل تعتمد نموذجاً اقتصادياً موازياً قائماً على اقتناء كميات كبيرة من المواد المسروقة، مثل البلاستيك والمعادن، بغرض إعادة تصنيعها وترويجها في الأسواق المحلية. وتشكل هذه الأنشطة جزءاً من منظومة غير شرعية تكرّس الجريمة المنظمة وتلحق أضراراً جسيمة بالنسيج الاقتصادي الوطني.
وتعود فصول القضية إلى شكايات تقدم بها عدد من تجار الجملة، خاصة في سوق الخضر والفواكه، بشأن تصاعد وتيرة سرقات الصناديق البلاستيكية، ما استدعى تدخل الأجهزة الأمنية التي أطلقت عمليات مداهمة قادت إلى ضبط كميات كبيرة من هذه الصناديق بمحيط أحد المصانع السرية، كانت موجهة لإعادة التدوير دون أي ترخيص قانوني.
وفي سياق متصل، كشفت مصادر متطابقة عن نشاط غير قانوني أكثر تعقيداً بمنطقة الهراويين، يتمثل في تدوير معادن ذات مصادر مشبوهة، بعضها مملوك لمؤسسات عمومية وخاصة كانت قد أبلغت عن سرقتها. وتعمل هذه المستودعات تحت غطاء مؤسسات تجارية أو صناعية، لكنها في الواقع مراكز لتجميع وتذويب المعادن المسروقة، في تحدٍّ صريح للقانون.
وسلط هذه الوقائع الضوء على معضلة مزدوجة تواجهها السلطات: من جهة، تفشي ظاهرة السرقة المنظمة، ومن جهة أخرى، وجود قطاع صناعي غير قانوني يغذي نفسه من المسروقات ويعيد دمجها في الدورة الاقتصادية، مما يزعزع الثقة في مناخ الاستثمار ويهدد التوازن الاقتصادي والاجتماعي.
وتواصل الأجهزة الأمنية تحقيقاتها لتحديد كافة الأطراف المتورطة في هذه الشبكات، من ممولي الأنشطة إلى مديري الورشات والمصانع السرية. وتشير المعطيات الأولية إلى وجود تنظيم محكم وارتباطات محتملة بجرائم مالية مثل تبييض الأموال وتهريب المواد.
ويؤكد مراقبون أن هذه القضية تعيد إلى الواجهة ضرورة إصلاح منظومات الرقابة الصناعية، واعتماد أدوات رقمية لرصد تحركات المواد الأولية ومتابعة سلاسل التوريد، بما يكفل الحد من تغلغل اقتصاد الظل، الذي لم يعد فقط ظاهرة اقتصادية، بل تهديداً صريحاً للأمن الوطني.