تحقيقـ24 – يونس سركوح
يشهد عدد من المراكز الصحية عبر التراب الوطني، من ضمنها المركز الصحي ببلفاع بإقليم اشتوكة أيت باها، انقطاعا غير مفسر للقاح المكورات الرئوية، المعروف باسمه العلمي “Vaccin anti-pneumococcique”، الأمر الذي تسبب في حالة من القلق العميق لدى العديد من الأسر المغربية، خاصة الآباء والأمهات الذين لديهم أطفال رضع مقبلون على تلقي هذا اللقاح في إطار البرنامج الوطني للتلقيح.
هذا الانقطاع المفاجئ، الذي لم يصدر بشأنه أي توضيح رسمي من وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، فتح الباب أمام تساؤلات مشروعة حول واقع تدبير منظومة التلقيح في المغرب، وحجم الجاهزية لضمان الاستمرارية في توفير اللقاحات الأساسية التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالحق في الصحة والحياة، خصوصا لفئة الأطفال دون سن الخامسة.
يعد لقاح المكورات الرئوية من اللقاحات الأساسية التي تساهم في الوقاية من مجموعة من الأمراض الخطيرة، من أبرزها الالتهاب الرئوي الحاد، والتهاب السحايا الجرثومي، وتسمم الدم، فضلا عن التهابات الأذن الوسطى والجيوب الأنفية. وتشير المعطيات الطبية إلى أن هذا اللقاح، الذي أوصت منظمة الصحة العالمية بإدراجه ضمن البرامج الوطنية، يعد وسيلة فعالة لتقليص نسب الوفيات والإعاقات المرتبطة بهذه الأمراض.
غير أن الغياب غير المبرر لهذا اللقاح، خصوصا في مرحلة عمرية دقيقة بالنسبة للرضع، دفع بالعديد من الآباء إلى تحميل وزارة الصحة، وعلى رأسها الوزير الوصي، المسؤولية الكاملة عن أي مضاعفات صحية قد تطرأ نتيجة هذا النقص. وقد عبر عدد منهم عن قلقهم إزاء ما وصفوه “بالعجز المؤسسي” في ضمان التوفر المستمر للقاحات الحيوية، داعين الجهات الوصية إلى التحرك العاجل قبل تسجيل إصابات محتملة في صفوف الأطفال.
وتأتي هذه الوضعية في وقت تستعد فيه المملكة لاحتضان تظاهرة رياضية عالمية، وهي كأس العالم لكرة القدم 2030، وهو ما اعتبره البعض تناقضا صارخا بين طموح تسويق صورة دولة قادرة على تنظيم أحداث كبرى، وواقع يومي تعاني فيه بعض الأسر من انعدام أبسط مقومات الوقاية الصحية.
من الناحية القانونية، يكرس الفصل الحادي والثلاثون من الدستور المغربي الحق في الصحة كحق أساسي للمواطنين، ويلزم الدولة والمؤسسات العمومية بضمان التغطية الصحية والتوزيع العادل للخدمات الطبية، بما فيها الوقاية والتلقيح. كما أن التزامات المغرب الدولية، وعلى رأسها اتفاقية حقوق الطفل، تنص على ضرورة توفير أعلى مستوى صحي ممكن لجميع الأطفال دون تمييز.
أمام هذا الوضع، يطرح المهتمون بالقطاع الصحي ضرورة فتح نقاش جاد حول الحكامة الدوائية بالمغرب، ومدى جاهزية سلسلة التزويد والتخزين، ومدى نجاعة آليات التتبع والتنسيق بين مختلف المتدخلين في القطاع. كما تبرز الحاجة إلى تواصل مؤسساتي فعال مع المواطنين، يقدم المعلومات بشفافية ويضع الرأي العام في صورة المعطيات الحقيقية والبدائل الممكنة.
ويأمل المواطنون أن تتدارك وزارة الصحة هذا الوضع في أسرع وقت ممكن، من خلال توفير الكميات اللازمة من اللقاح، وضمان توزيعه بشكل عادل على مختلف المراكز الصحية الحضرية والقروية، بما يعزز الثقة في المنظومة الصحية ويصون حق الأطفال في الوقاية والحياة.
تحقيقـ24 ستواصل متابعة تطورات هذا الملف، وستوافي قراءها بكل المستجدات المؤكدة حال توفرها.