تحقيق24: الصحافي يونس سركوح،
في جلسة الأسئلة الشفوية الأخيرة بمجلس النواب، أثارت مداخلة محمد أودمين، رئيس لجنة الداخلية ونائب برلماني عن عمالة إنزكان أيت ملول، نقاشاً عميقاً حول قضية محاربة الفساد في المغرب. كانت رسالته واضحة: الفساد ليس مجرد مشكلة مؤسساتية تُعالج بالقوانين والإجراءات الإدارية، بل هو قضية مجتمعية تحتاج إلى تعبئة شاملة من قبل المجتمع ككل.
الفساد في المغرب، كما هو الحال في العديد من الدول، يتجاوز كونه حالة فردية أو مجموعة من المخالفات المعزولة. إنه نظام معقد يمتد إلى مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ورغم الجهود الرسمية المبذولة من طرف الحكومة عبر مؤسسات مثل الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، لا يزال الفساد يمثل تحدياً جوهرياً أمام التنمية المستدامة.
ما يميز مداخلة أودمين هو طرحه لمقاربة مجتمعية في محاربة الفساد، وهو توجه يتطلب تغييراً في العقليات والسلوكيات وليس فقط تعزيز القوانين. لكن، هل يمكن فعلاً لمقاربة مجتمعية أن تكون الحل؟
تستند مقاربة محمد أودمين على فكرة أن الفساد لا ينمو في فراغ، بل يزدهر في بيئة تشجع على التساهل تجاه المخالفات وعدم مساءلة المخطئين. هنا، تصبح المشكلة ثقافية بقدر ما هي مؤسساتية. فكرة ربط الفساد بسلوك الأفراد والمجتمع تحمل في طياتها بعض الصحة؛ إذ إن غياب الوعي الشعبي بخطورة الفساد يعزز من ثقافة التسامح معه.
من جهة أخرى، التحدي الأكبر في تبني هذه المقاربة هو أن تغيير العقليات والسلوكيات يحتاج إلى وقت طويل وإلى جهود تربوية وثقافية واسعة النطاق. إن تعزيز ثقافة الشفافية والنزاهة يحتاج إلى شراكة بين المؤسسات الحكومية، الإعلام، والنظام التعليمي والمجتمع المدني. كما أن وجود منظومة قانونية قوية تعاقب الفساد بفعالية هو جزء لا يتجزأ من هذه المقاربة.
رغم أهمية الدعوة إلى مقاربة مجتمعية لمحاربة الفساد، يبقى دور المؤسسات لا غنى عنه. فالإصلاحات التشريعية، وإرساء الشفافية في المعاملات الحكومية، وتفعيل مبدأ المساءلة، تبقى أدوات أساسية لمحاربة الفساد. لذا فإن الحل الأكثر فعالية قد يكون في الجمع بين المقاربتين: مقاربة مجتمعية تركز على تغيير العقليات والسلوكيات، ومقاربة مؤسساتية تهتم بتطبيق القانون ومكافحة الفساد بشكل صارم.
أحد الأمثلة التي تعزز هذا الطرح هو تجارب بعض الدول التي نجحت في تقليص الفساد عبر تفعيل الشراكة بين الحكومة والمجتمع المدني. في هذه الدول، تم إنشاء منصات تشجع المواطنين على الإبلاغ عن حالات الفساد، وتم تعزيز الشفافية في القطاعين العام والخاص، مع إشراك الإعلام في تسليط الضوء على هذه القضايا.
السؤال الأهم الذي تثيره مداخلة أودمين هو: هل يمكن للمغرب أن يحقق قفزة نوعية في محاربة الفساد إذا تبنى مقاربة مجتمعية متكاملة؟ ربما تكون الإجابة نعم، ولكن بشروط. أولاً، يجب أن تكون هناك إرادة سياسية واضحة ومستمرة من قبل الحكومة في مكافحة الفساد، وليس مجرد شعارات. ثانياً، لا بد من دعم البنية التحتية القانونية والمؤسساتية لضمان أن من يرتكب الفساد سيحاسب. ثالثاً، ينبغي تعزيز ثقافة النزاهة والشفافية في النظام التعليمي وفي وسائل الإعلام، بحيث يصبح المواطن جزءاً من الحل وليس مجرد متفرج على المشهد.
وتبقى قضية محاربة الفساد في المغرب معركة متعددة الأبعاد، تتطلب جهوداً متضافرة من قبل الدولة والمجتمع على حد سواء. مقاربة محمد أودمين تعيد طرح السؤال حول الدور الذي يمكن أن يلعبه المجتمع في هذه المعركة. لكن الأهم من ذلك هو مدى استعداد الحكومة والمؤسسات لتبني إصلاحات جريئة تجعل محاربة الفساد واقعاً ملموساً وليس مجرد طموح.