مهرجان تيفاوين يسلط الضوء على التحولات التاريخية والاجتماعية للمجال القروي المغربي.

tahqiqe24

مدير النشر: يونس سركوح،

في إطار فعاليات الجامعة القروية محمد خير الدين، التي تنظم ضمن الدورة السابعة عشرة لمهرجان تيفاوين، احتضنت جماعة أملن مساء أمس الجمعة 8 غشت الجاري ندوة فكرية موسعة حملت عنوان “القروانية: مقاربات متقاطعة”، وذلك في نسختها الحادية عشرة، بحضور نخبة من الشخصيات السياسية والأكاديمية والفاعلين الجمعويين. وقد تميزت الجلسة الافتتاحية بمشاركة السيد الحسين الإحسيني، رئيس جمعية فيستيفال تيفاوين، والسيد عبد الله غازي، برلماني عن إقليم تيزنيت، والسيد ياسر شهمات، نائب رئيس المجلس الإقليمي، والسيد عبد الرحمان حجي، رئيس جماعة أملن، فيما تولى تسيير النقاش محمد الكارح، عضو جمعية المهرجان.

وأكد المتدخلون أن مهرجان تيفاوين جعل منذ سنوات الفنون القروية في صلب اهتماماته، انسجاما مع البيئة السوسيو-ثقافية والطبيعية التي تميز مجال أملن في قلب الأطلس الصغير، مبرزين أن اختيار موضوع “القروانية” — Ruralité — لهذه الدورة، يعكس رغبة المهرجان في جعل الثقافة القروية محورا للنقاش العلمي الرصين.

وتناولت الجلسة العلمية الأولى مفهوم “القروانية” من زاوية سوسيولوجية، حيث قدمت مداخلة بعنوان “قروانية الهوامش المعاصرة” ألقاها الباحث في علم الاجتماع محمد مهدي، وأدارها الدكتور الحسين بويعقوبي من جامعة ابن زهر. وقد جرى تعريف “القروانية” بوصفها نمط حياة يطبع المجالات الريفية، بما تحمله من خصوصيات معمارية وثقافية ولغوية، وعلاقة متميزة بالزمن والمناخ، ورؤية جماعية للعالم، ضمن بنيات اجتماعية وسياسية وثقافية توصف غالبا بالتقليدية. وأشار النقاش إلى أن المجال القروي، الذي اتسم تاريخيا بانخفاض الكثافة السكانية وغلبة الطابع الغابوي والنشاطين الفلاحي والرعوي، أصبح اليوم يشهد تداخلا متزايدا مع المجال الحضري، منتجا أنماطا هجينة يصعب حصرها في تصنيفات كلاسيكية.

أما الجلسة العلمية الثانية، التي جاءت بعنوان “العالم القروي في المغرب: التاريخ والتحولات واستراتيجيات التنمية”، فقد شهدت مداخلات لكل من الباحث في التاريخ أحمد بومزكو، والباحث في التنمية الترابية خاليد قوبع، والباحث في الجغرافيا عبد اللطيف بوفوس، وأدارها الأستاذ محمد بنيدير. وقد استعرض المتدخلون التحولات التاريخية التي شهدها المغرب، مبرزين أن الطابع القروي كان سائدا حتى منتصف القرن العشرين، قبل أن يتراجع تدريجيا تحت تأثير التحولات الاستعمارية والاقتصادية والاجتماعية. وكشفت معطيات الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024 أن عدد سكان الوسط الحضري بلغ 23 مليون نسمة مقابل 14 مليونا في الوسط القروي، في اتجاه يواكب المسار العالمي نحو التحضر، والمتوقع أن يبلغ 60% من سكان العالم بحلول عام 2030.

كما ناقش المحاضرون ظاهرتي “ترييف المدن” و“تمدين الأرياف”، وأثرهما على الهوية القروية، مؤكدين أن التحدي الأكبر يتمثل في توظيف خصوصيات القروانية في استراتيجيات التنمية، مع طرح تساؤلات حول مستقبل هذا النمط من الحياة: هل ستظل القروانية التقليدية قائمة أم ستفسح المجال لأشكال جديدة تستوعب التحولات الحضرية والاقتصادية والاجتماعية؟

وتأتي هذه الجلسات الفكرية في إطار رؤية مهرجان تيفاوين لجعل الثقافة القروية موضوعا للبحث الأكاديمي والحوار بين النخب الفكرية والعلمية والفاعلين المحليين، بهدف تعميق الفهم للمجال القروي وما يختزنه من تاريخ وثروات ثقافية وطبيعية، وما يتيحه من آفاق تنموية مستدامة.

لا يمكن نسخ هذا المحتوى.