موسم “لالة تاعلات” … قداسة الروح وغصة التهميش في قلب “تاسگدلت”

tahqiqe24

يونس سركوح،

في عمق جبال سوس، وتحديدًا بجماعة “تاسگدلت” التابعة لإقليم اشتوكة آيت باها، يُقام موسم ديني يُعد من أبرز المناسبات الروحانية في الجنوب المغربي، هو موسم “لالة تاعلات”. غير أن هذا الحدث البهي، بما يحمله من رمزية وقداسة، يعيد إلى الواجهة سؤال التفاوت المجالي، بين مركز الجماعة الذي يعيش على هامش التنمية، ومركز “تاعلات” الذي ينبض بالحياة خلال أيام الموسم.

موسم “تاعلات”، الذي يُنظم خلال الأسبوع الأول من مارس الفلاحي، يُعتبر ملتقى روحيًا هامًا يقصده طلبة المدارس العتيقة وحَمَلة كتاب الله من مختلف مناطق سوس، بل ومن ربوع المغرب. وقد ارتبط اسم هذا الموسم بالولية الصالحة “لالة تاعلات”، التي اشتهرت برعايتها لطلبة العلم الشرعي، وكرّست حياتها لدعم حفظة القرآن الكريم، فاستحقت بذلك إجلال السكان وتقدير الزوار.

في هذا الموسم، تكتري كل مدرسة عتيقة مقرًا يحمل اسمها، ويُقيم فيه طلبتها خلال أيام الاحتفال، حيث تُقام حلقات الذكر وتلاوة القرآن والعبادات الجماعية، وسط أجواء روحانية مفعمة بالخشوع. ولا يقتصر الأمر على الجانب الديني فحسب، بل يعرف الموسم أيضًا انتعاشًا اقتصاديًا ملحوظًا، حيث تُعرض منتجات محلية ويتوافد الباعة والزوار، مما يُسهم في تنشيط الدورة التجارية بالمنطقة.

غير أن الصورة الجميلة لهذا الحدث لا تُخفي بعض الظواهر السلبية، أبرزها تنامي أعداد المتسولين الذين يفدون من مختلف الجهات، مما يُفسد في بعض الأحيان المظهر العام ويشوّه جمالية المكان.

ورغم أن موسم “تاعلات” يحظى بعناية أمنية خاصة من قبل مصالح الدرك الملكي والسلطات المحلية والقوات المساعدة، إلا أن المقارنة بين مركز تاعلات، حيث يُقام الموسم، ومركز جماعة تاسگدلت، تطرح مفارقة مؤلمة: فالمركز الإداري للجماعة يعاني التهميش وقلة التنظيم، بينما يبدو مركز الموسم وكأنه ينتمي لعصر آخر من حيث الإشعاع والتنظيم المؤقت. فهل نحن أمام حلمٍ موسمي جميل نستفيق منه لنجد أنفسنا أمام واقع فقير، أم أمام حقيقة قاسية تكشف خللًا بنيويًا في توزيع التنمية؟

وفي هذا السياق، ومن باب الاقتراح البناء، نوجه الدعوة إلى المنتخبين والسلطات المحلية للتفكير الجاد في بناء مقر جديد للجماعة بمركز “تاعلات”، بما يضمن تكاملًا متميزًا بين الفضاء الروحي والتسويق الترابي للمنطقة. فبمثل هذه المبادرات يمكن تحقيق توازن مجالي، وإعادة الاعتبار لمناطق طالها النسيان، رغم ما تختزنه من رمزية وتاريخ.

ويبقى موسم “لالة تاعلات” عنوانًا للروح المغربية التي تجمع بين الدين والتضامن والجمال، لكن استمرارية هذه الصورة تتطلب رؤية تنموية عادلة تجعل من كل مركز شعلةً حقيقيةً لا موسميةً.

لا يمكن نسخ هذا المحتوى.