محمد المطاعي
في ظرف أربعة أيام فقط، أصدرت المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية بمولاي رشيد بالدار البيضاء وثيقتين رسميتين بخصوص الأستاذ معاذ بلحمرة إحداهما تقرر توقيفه احترازياً لأسباب مهنية جسيمة، والثانية تنفي ذلك بشكل قاطع وتعلن وفاته، معربة عن تعازيها.
هذا التضارب الصارخ يضع الإدارة في موقف لا يُحسد عليه، ويُثير العديد من الأسئلة حول كفاءة التواصل، وحس المسؤولية، وأخلاقيات المهنة.
التوقيف أولاً… بلغة جافة..!!
الوثيقة الأولى، بتاريخ 3 يوليوز 2025، تتحدث عن توقيف احترازي للأستاذ، مع إيقاف أجره، بناءً على ما قيل إنه تقرير من مدير المؤسسة، يتهمه بسلسلة من المخالفات الخطيرة، مثل الغياب، وعدم إلقاء الدروس، والسب، والشتم، والتهديد… إلخ. القرار كان قاسياً في صيغته، شديد اللهجة، ويخلو من أي بُعد إنساني أو مراعاة لكرامة الأستاذ، خاصة في غياب أي إشارة لحقه في الدفاع أو التحقيق القضائي.
ـ ثم بلاغ تعزية… بعد الضجة…!!
يوم 7 يوليوز، وبعد موجة استنكار في وسائل التواصل الاجتماعي، أصدرت نفس المديرية بلاغاً صحفياً تنفي فيه إصدار أي قرار توقيف في حق الأستاذ، وتؤكد أنه “لم يتم توقيف راتبه”، وأنه “لا يزال على قيد الحياة لحظة إصدار البلاغ”، لكنها في نفس الجملة تعلن وفاته، وتقرر صرف مستحقاته لعائلته!
بلاغ مرتبك، صيغ على عجل، وجاء كردّ فعل متأخر على تداعيات وثيقة سابقة كانت قد خرجت من مكاتبها بتوقيع رسمي وختم إداري.
ـ من نُصدق؟ ومتى نُحاسب؟
هل نصدق الوثيقة الرسمية الأولى التي تُدين الأستاذ حيّاً؟ أم البلاغ الثاني الذي يُعزيه ميتاً وينفي الأول؟ كيف لإدارة أن تُخطئ بهذا الشكل في حالة حساسة كهذه؟ وهل أصبحت القرارات الإدارية تُسحب وتُلغى دون تفسير، بمجرد أن تنفجر على مواقع التواصل؟
هذا ليس فقط تناقضاً، بل هو إخفاق خطير في إدارة الأزمة، ومسّ بكرامة موظف، كان من الأجدر احترام وفاته بصمت، لا بإصدار بلاغ “ينفي ما لا يمكن نفيه”.
ـ مسؤولية أخلاقية قبل أن تكون إدارية..!!
الإدارة العمومية ليست مجرد مؤسسة لإصدار المذكرات والقرارات، بل هي جهاز يمثل دولة، ويحمل مسؤولية الحفاظ على ثقة المواطنين، وكرامة موظفيها. ما حصل مع الأستاذ معاذ، رحمه الله، يجب أن يكون لحظة تأمل جماعي في أخلاقيات الإدارة، ودرسًا في ضرورة تحري الدقة، والتريث، والعدل، خاصة عندما يتعلق الأمر بمصير أشخاص.
ـ ختامًا:
سواء أكان الأستاذ مذنبًا أم بريئًا، فإن وفاته أغلقت هذا الملف على المستوى القانوني، لكن الخطأ الإداري لا يسقط بموته. من حق الرأي العام أن يفهم ماذا وقع، ولماذا خرجت وثيقة ثم تم نفيها، وكيف يُعقل أن تُصدر جهة رسمية قرارًا ثم تُكذّب نفسها بعد أيام.
في انتظار توضيح حقيقي، تبقى الإدارة مدعوة لاحترام ذكراه، واحترام ذكاء الناس… والتحلي ببعض الشجاعة الإدارية.