طموحات الشباب بين تحديات الواقع وآفاق المستقبل السياسي

tahqiqe24

بقلم ذ. عبد الواحد العسري،

يمثل الشباب عنصرًا محوريًا في تشكيل المشهد السياسي والاجتماعي في أي مجتمع، نظرًا لما يتمتعون به من طاقة ديناميكية وقدرة على التغيير. في ظل تركيبة سكانية تهيمن فيها الفئات الشابة على نسب كبيرة من السكان، تظهر الحاجة الملحّة إلى تعزيز مشاركتهم في الحياة السياسية باعتبارها ركيزة أساسية لبناء مستقبل أفضل.

تنبع أهمية الشباب في السياسة من قدرتهم على التجديد في مواجهة السياسات التقليدية. فهم يعكسون التغيرات الاجتماعية والثقافية التي يمر بها المجتمع، مما يجعلهم أقدر على استيعاب احتياجات الجيل الجديد. ومن هذا المنطلق، يُنظر إلى الشباب كقادة المستقبل الذين يحملون رؤى متطورة ومبتكرة تسهم في تحقيق تطلعات مجتمعاتهم. إضافة إلى ذلك، يشكل الشباب قوة عددية هائلة تمكّنهم من إحداث تأثير واسع إذا ما تم تنظيم جهودهم بشكل منهجي. هذه القوة العددية تُعدّ من أهم عوامل الضغط في المجتمعات الديمقراطية، حيث يمكن للشباب أن يُحدثوا تغييرًا جذريًا في المعادلة السياسية إذا استثمروا طاقاتهم بطريقة فعّالة.

ورغم هذه الإمكانات الكبيرة، تواجه مشاركة الشباب في السياسة العديد من العقبات. من أبرز هذه المعوقات الافتقار إلى الفرص المتاحة لهم للوصول إلى مواقع القرار، حيث تسيطر النخب التقليدية على المشهد السياسي، ما يحد من دور الشباب. إلى جانب ذلك، يشعر البعض بالإحباط نتيجة تفشي الفساد أو انعدام الشفافية في العمل السياسي، وهو ما يدفعهم إلى العزوف عن المشاركة. كما تُشكل قلة الوعي السياسي تحديًا كبيرًا، نتيجة ضعف البرامج التعليمية التي تسلط الضوء على أهمية العمل السياسي ودور الشباب فيه. أما التهميش الثقافي والاجتماعي في بعض البيئات، فهو يُضعف الثقة بأفكار الشباب وقدرتهم على التأثير.

لتجاوز هذه التحديات، لا بد من تبني استراتيجيات فعّالة تمكّن الشباب من المشاركة السياسية بشكل أوسع. التعليم والتوعية يأتيان في المقدمة، من خلال إدماج الثقافة السياسية في المناهج الدراسية وتشجيع النقاشات المفتوحة في المدارس والجامعات. كذلك، ينبغي دعم المبادرات الشبابية التي تركز على القضايا الاجتماعية والسياسية، بما يعزز من قدرتهم على بناء قاعدة جماهيرية. كما يتعين على الأحزاب السياسية فتح المجال أمام الشباب لتولي مناصب قيادية، بما يضمن تواجدهم في مواقع القرار. وفي عصر التكنولوجيا، يمكن للشباب الاستفادة من المنصات الرقمية والإعلام الاجتماعي للتعبير عن آرائهم والتأثير في الرأي العام وصناعة القرار السياسي.

أثبتت تجارب دولية عديدة قدرة الشباب على إحداث تأثير ملموس في السياسة. ففي كندا ونيوزيلندا، وصل قادة شباب إلى مناصب قيادية عليا وأثبتوا كفاءتهم في إدارة الشأن العام. وعلى المستوى الوطني، برزت أسماء شابة مثل محمد المهدي بنسعيد، الذي أثبت أن الشباب قادرون على قيادة ملفات مهمة وتحقيق نتائج ملموسة.

إن تمكين الشباب سياسيًا ليس مجرد خيار، بل ضرورة ملحّة لضمان استمرارية التنمية السياسية والاجتماعية. فالشباب هم المحرك الأساسي لأي تغيير إيجابي، ومشاركتهم الفعّالة في صناعة القرار تعدّ الضامن لبناء مستقبل يستجيب لطموحات الجميع. لكن تحقيق ذلك يتطلب بيئة محفّزة تعزز من حضورهم وتمنحهم الفرصة لإثبات جدارتهم.

لا يمكن نسخ هذا المحتوى.