بقلم : ذ.عبدالله الديواني، باحث في التدبير الإستراتيجي واللوجيستيك
يشهد المغرب تحولًا رقميًا طموحًا في قطاعه اللوجستي، يعتمد على دمج تقنيات متقدمة مثل إنترنت الأشياء، والذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، والروبوتات. يهدف هذا التطور إلى تحديث إدارة سلاسل الإمداد، وتقليل التكاليف، وتعزيز تنافسية الشركات المغربية في الأسواق الدولية.
يوفر تبني اللوجستيك 4.0 فرصًا استراتيجية هائلة للمغرب، حيث يسهم في تحسين التكلفة من خلال ترشيد العمليات المرتبطة بالنقل وإدارة المخزون والتوزيع. كما تعمل المنصات المتصلة على تعزيز تتبع البضائع في الوقت الفعلي، مما يعزز الشفافية والموثوقية في العمليات اللوجستية. علاوة على ذلك، تمنح هذه الرقمنة الشركات القدرة على التكيف السريع مع احتياجات السوق وتخصيص خدماتها وفقًا للطلب. وعلى الصعيد البيئي، تساهم اللوجستيك الذكي في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من خلال تحسين مسارات النقل واستخدام حلول صديقة للبيئة.
ومع ذلك، فإن هذا التحول الرقمي يواجه تحديات كبيرة، لا سيما بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة التي تشكل جزءًا كبيرًا من النسيج الاقتصادي المغربي. غالبًا ما تواجه هذه الشركات صعوبات في تبني هذه التقنيات بسبب نقص الموارد المالية والمهارات المتخصصة. كما أن الاستثمارات المطلوبة لتحديث البنية التحتية اللوجستية واقتناء المعدات المتقدمة تظل مرتفعة، مما يحد من الانتشار الواسع لهذه الحلول. بالإضافة إلى ذلك، يشكل التفاوت في الوصول إلى إنترنت عالي الجودة، إلى جانب تزايد المخاوف بشأن الأمن السيبراني، عقبات رئيسية يجب التغلب عليها.
لمواجهة هذه التحديات، أطلق المغرب استراتيجية وطنية طموحة لتسريع رقمنة قطاعه اللوجستي. وقد تم تنفيذ عدة مشاريع لإنشاء مناطق لوجستية في مواقع استراتيجية، بهدف تحسين تدفق البضائع، وتسهيل الصادرات، ودعم نمو الشركات المحلية. كما تم تخصيص استثمارات كبيرة لتطوير هذه المناطق وتعزيز تبني الحلول الرقمية. وتأتي هذه المبادرات في إطار شراكة متينة بين القطاعين العام والخاص، تهدف إلى بناء منظومة لوجستية حديثة وفعالة.
من خلال هذه الجهود، يسعى المغرب إلى تعزيز مكانته كمركز لوجستي إقليمي يربط بين إفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط. ويتوقف نجاح هذا التحول على تعاون وثيق بين جميع الفاعلين في القطاع، إلى جانب استثمارات مستمرة في التدريب وتنمية المهارات.
إن تبني اللوجستيك الذكي لا يسهم فقط في تحديث القطاع اللوجستي في المغرب، بل يعكس أيضًا التزامًا بالانتقال نحو نموذج اقتصادي أكثر استدامة وتنافسية ومرونة، بما يتماشى مع متطلبات الأسواق العالمية والتحديات البيئية.