الذكاء الاصطناعي يستوجب تأقلم الأساتذة في المؤسسات التعليمية الفرنسية

ياسين لتبات

الذكاء الاصطناعي في التعليم: بين الفرص والتحديات

أصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا متزايد الأهمية في قطاع التعليم، حيث يُستخدم في إعداد الدروس، وتسهيل التعلم الفردي، وتعزيز التفكير النقدي. ومع ذلك، فإن انتشاره السريع يثير العديد من المخاوف، خاصة فيما يتعلق بتأثيره على دور المعلمين وطريقة تفاعل الطلاب معه.

يؤكد أدريان ميسون، من نقابة المعلمين “SE Unsa” في فرنسا، أن الذكاء الاصطناعي بات واقعًا لا يمكن تجاهله، مما يفرض على المؤسسات التعليمية ضرورة التكيف معه. ووفقًا لتقرير صادر عن مجلس الشيوخ الفرنسي، فإن 90% من طلاب السنة الأولى في المرحلة الثانوية استخدموا الذكاء الاصطناعي التوليدي في إنجاز واجباتهم المدرسية.

ورغم ذلك، يشير ميسون إلى أن الطلاب غالبًا ما يستخدمون هذه التقنية “بشكل غير منضبط”، دون رقابة كافية، مما قد يؤدي إلى مخاطر متعددة، مثل تعزيز الصور النمطية، وانتهاك الخصوصية، وتراجع المهارات التقليدية، بالإضافة إلى تقليص الدور البشري في العملية التعليمية عند الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي.

من جهتها، توضح كاترين ناف بختي، الأمينة العامة لنقابة CFDT Education، أن بعض المعلمين بدأوا بالفعل باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي في الفصول الدراسية، حيث يساعدون الطلاب على فهم آلية عملها، وإعادة صياغة النصوص، والتعرف على الصور التي يتم إنشاؤها بواسطة هذه التقنية.

أما تيبو بليسون، أستاذ الفيزياء في إحدى المدارس الثانوية بباريس، فيشير إلى أنه يستخدم أدوات مثل “تشات جي بي تي” و”كلود” لاختبار الإجابات واستلهام الأفكار. لكنه يعرب عن استيائه من افتقار هذه النماذج للابتكار، حيث تميل إجاباتها إلى التكرار والنمطية.

وللتعامل مع هذه التغيرات، أطلقت شبكة “كانوبيه”، التابعة لوزارة التعليم الفرنسية، منصة تدريبية تحتوي على وحدات تعليمية حول الذكاء الاصطناعي، والتي يستفيد منها حاليًا أكثر من 10 آلاف معلم، وفق ما ذكرته ماري كارولين ميسير، المديرة العامة للشبكة.

استخدام حذر ومراقب

في مجال تدريس الفلسفة، لجأت المعلمة إيناس دريج إلى الذكاء الاصطناعي بشكل محدود، بهدف توعية طلابها بحدوده وإبراز تفوق التفكير البشري. وتؤكد أنها قادرة على تمييز النصوص التي يتم إنتاجها عبر الذكاء الاصطناعي، نظرًا لأسلوبها النمطي واعتمادها على إيقاع متكرر في الكتابة، بالإضافة إلى ميلها إلى تجنب القضايا الجدلية.

كمثال، طلبت دريج من طلابها مناقشة موضوع جدلي: “هل يمكننا الرغبة في تدمير الدولة؟”، فلاحظت أن “تشات جي بي تي” لم يقدم سوى إجابات تدعم الديمقراطية، متجاهلًا الحجج التي تطرحها التيارات الفوضوية أو المناهضة للأنظمة الاستبدادية.

التكنولوجيا والتعليم: شراكة متزايدة

إلى جانب الذكاء الاصطناعي التوليدي، يشهد قطاع التكنولوجيا التعليمية تطورًا كبيرًا، من خلال توفير تطبيقات تساعد في تصميم الدروس، وإنشاء التمارين، وتوفير الترجمة الفورية للطلاب غير الناطقين باللغة أو ذوي الاحتياجات الخاصة.

في هذا السياق، أعلنت شركة “ميسترال” الفرنسية للذكاء الاصطناعي عن شراكة مع جمعية Edtech France وعدد من الجامعات والمؤسسات التعليمية، بهدف تزويد الطلاب والأساتذة بتقنيات ذكاء اصطناعي أوروبية موثوقة ومتطورة.

وبحسب دراسة أجرتها شركة Global Markets Insights، بلغ حجم سوق الذكاء الاصطناعي في قطاع التعليم 4 مليارات دولار عام 2022، مما يؤكد تزايد دوره في العملية التعليمية.

لكن رغم الفرص التي يوفرها، لا يزال العديد من المعلمين يواجهون صعوبات في استخدامه، بسبب غياب برامج تدريبية متكاملة وعدم وجود رؤية واضحة حول تأثيره الفعلي على التعليم. وتوضح دريج أن بعض التطبيقات قد تساعد الأساتذة في تقليل الأعباء الإدارية، لكنها تحذر من الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في تقييم الطلاب، لما قد يسببه ذلك من فقدان للثقة بين الطالب والمعلم.

لا يمكن نسخ هذا المحتوى.