عبد الرحمان الرامي
شهدت منطقة بوطروش بإقليم سيدي إفني انعقاد الملتقى الأول للفن الصخري، الذي نظمته جمعية الأطلس الصغير الغربي للسياحة الجبلية، بشراكة مع وزارة الثقافة والشباب والتواصل، تحت شعار: “الاستقرار البشري بمجال بوطروش من خلال معطيات الفن الصخري”. ويهدف هذا الحدث إلى تسليط الضوء على التراث الثقافي الفريد الذي تزخر به المنطقة، خاصة النقوش الصخرية التي تعد من أقدم أشكال التعبير الفني التي عرفها الإنسان.
جاء هذا الملتقى في سياق الجهود المبذولة لتعزيز الوعي بأهمية التراث الثقافي والفني، وتشجيع البحث العلمي حول النقوش الصخرية في الجنوب المغربي، باعتبارها شواهد تاريخية تعكس تطور الإنسان وعلاقته بالبيئة. كما سعى الملتقى إلى إشراك مختلف الفاعلين، من مجتمع مدني ومجالس منتخبة، في حماية هذا الإرث من الاندثار والتخريب، من خلال مقاربات علمية وقانونية تضمن استدامته.
إلى جانب البعد الأكاديمي والتوعوي، شكل الملتقى فرصة لاستكشاف سبل توظيف هذا الموروث الثقافي في خدمة التنمية المحلية. وقد ركزت النقاشات على إمكانية تحويل الفن الصخري إلى مورد سياحي يساهم في تنمية السياحة الثقافية، وخلق دينامية اقتصادية قائمة على تثمين التراث المادي للمنطقة.
في هذا الإطار، نظم المشاركون جولات ميدانية إلى مواقع تضم نقوشًا صخرية تاريخية، شملت مناطق أمالو، تعلاوي، إنامر، جماعة النابور، تمدي، أكني، وأفود يدير، حيث أتيحت لهم فرصة الاطلاع عن كثب على هذه الرسومات والنقوش التي تعود لحقب زمنية موغلة في القدم.
عرف الملتقى تقديم مجموعة من المداخلات العلمية التي قاربت موضوع الفن الصخري من زوايا مختلفة، حيث تناول الدكتور عبد الهادي فاك موقع تمدي بالنابور، بينما سلط الدكتور نور الدين زديدات الضوء على دور المحافظة الجهوية للتراث في حماية هذه المواقع. من جهته، قدم الدكتور رشيد صديق تجارب علمية في مجال الجرد والتوثيق، فيما استعرض الدكتور منتصر لوكيلي، مدير المنتزه الوطني للنقوش الصخرية، الآليات القانونية لحماية هذا الإرث. كما قدم الدكتور محمد أخريزي دراسة مقارنة حول الفن الصخري في الجنوب المغربي من منظور الأنثروبولوجيا الثقافية. وقد أدار هذه الجلسات العلمية الدكتور جمال البقعة، حيث تميزت بمناقشات بناءة حول سبل الحفاظ على هذا الموروث الثمين.
في ختام الملتقى، أجمع المشاركون على ضرورة تضافر الجهود بين مختلف الفاعلين لضمان حماية المواقع الصخرية، سواء من خلال التشريعات أو عبر مبادرات محلية تعزز الوعي المجتمعي بأهمية هذا الإرث. كما تم التأكيد على ضرورة مواصلة البحث العلمي وتوثيق هذه المواقع باستخدام التقنيات الحديثة، بما يسهم في تثمينها وترسيخ مكانتها ضمن التراث الثقافي الوطني.
يعد الملتقى الأول للفن الصخري ببوطروش خطوة مهمة نحو ترسيخ الوعي بأهمية التراث الثقافي غير المادي، وفتح آفاق جديدة لاستثماره في تحقيق التنمية المستدامة، من خلال التوفيق بين الحفاظ على الموروث الثقافي وتعزيز السياحة الثقافية بالمنطقة.