الجزائر: حكام بلا عقل وشعب بلا مستقبل، حيث الرفاهية للجنرالات والجوع للشعب.

الزهرة زكي

بقلم ذ.يونس سركوح

النظام العسكري الجزائري لا يحكم بعقل الدولة الحديثة التي تعتمد على التفكير الاستراتيجي والتخطيط المحكم، بل يسيّره منطق الغريزة القمعية التي لا ترى في الشعب سوى أداة للسيطرة، وليس مواطنين لهم حقوق وكرامة. هذا النمط من الحكم، الذي يعتمد على القوة بدل الفكر، أدى إلى انهيار شامل في مختلف الجوانب الاجتماعية، الاقتصادية، والنفسية للمجتمع الجزائري، مما ينذر بانفجار شعبي قادم لن يكون كسابقه.

اقتصاديًا، رغم امتلاك الجزائر ثروات طبيعية هائلة من النفط والغاز، يعيش الشعب في أزمة خانقة تعكس سوء التدبير ونهب الأموال العامة. المواطن الجزائري يواجه يوميًا ارتفاع الأسعار، ندرة المواد الغذائية الأساسية، وضعف القدرة الشرائية، في حين يواصل النظام إنفاق الملايير على مشاريع دعائية وإعلامية فارغة، بدلًا من بناء اقتصاد منتج يخلق فرص العمل ويحقق الاكتفاء الذاتي. هذه الأزمة ليست مجرد عارض اقتصادي، بل نتيجة مباشرة لسياسات الفساد، حيث تحوّلت الجزائر إلى بقرة حلوب تستنزف ثرواتها لتمويل أجندات العسكر بدل تحسين معيشة مواطنيها.

اجتماعيًا، يعيش الجزائريون حالة من التفكك والانهيار الاجتماعي بسبب انسداد الأفق وغياب أي أمل في التغيير. الشباب، الذين يفترض أن يكونوا عماد المستقبل، يجدون أنفسهم بين خيارين لا ثالث لهما: الهجرة غير الشرعية بحثًا عن حياة كريمة في أوروبا، أو الاستسلام لواقع البطالة والفقر. الأسرة الجزائرية، التي كانت تقليديًا نواة الاستقرار الاجتماعي، تعيش اليوم ضغوطًا هائلة بسبب الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، ما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الطلاق، العنف الأسري، وحتى الجريمة.

نفسيًا، النظام العسكري لا يدمر فقط الاقتصاد والمجتمع، بل يخلق حالة من الاحتقان النفسي العميق لدى الجزائريين. المواطن العادي يشعر بأنه محاصر، بلا حقوق، بلا مستقبل، وبلا حرية. الإعلام الرسمي، بدلًا من أن يكون أداة توعية وتنوير، يلعب دورًا خطيرًا في التلاعب بالعقول، وترويج الأكاذيب، مما يزيد من حالة الإحباط الجماعي. هذه الضغوط النفسية تظهر في سلوكيات اجتماعية خطيرة، مثل تزايد معدلات الانتحار بين الشباب، وانتشار المخدرات، كوسيلة للهروب من واقع بائس لا يبدو أن له نهاية.
سوسيولوجيًا، المجتمع الجزائري يعيش أزمة هوية بين ماضٍ ثوري يُستغل كشعار أجوف من طرف النظام، وحاضر يُراد له أن يكون امتدادًا للهيمنة العسكرية. النظام العسكري خلق طبقة من المنتفعين الذين يدافعون عن بقائه، بينما الأغلبية الساحقة تعاني من التهميش. هذا الانقسام الاجتماعي يزداد وضوحًا مع مرور الوقت، ومع كل أزمة جديدة تُضاف إلى سجل الفشل المتراكم. في المقابل، بدأ وعي جديد يتشكل بين الجزائريين، خصوصًا بين الشباب، الذين يدركون أن العدو الحقيقي ليس المغرب، كما يروج الإعلام الرسمي، بل النظام العسكري الذي يسرق أحلامهم ومستقبلهم.

لكن إلى متى؟ الحراك الشعبي الذي اندلع عام 2019 كان مؤشرًا واضحًا على أن الجزائريين لم يعودوا يقبلون بسياسات التهميش والاستبداد. واليوم، في ظل تزايد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، ومع استمرار القمع والتضليل الإعلامي، فإن خروج الجزائريين إلى الشارع مرة أخرى ليس سوى مسألة وقت. هذه المرة، لن يكون الهدف مجرد تغيير الوجوه، بل إسقاط النظام العسكري بأكمله، وإنهاء عقود من الاستحمار السياسي، وفتح الباب أمام بناء دولة مدنية ديمقراطية تعيد للجزائري كرامته المسلوبة.

لا يمكن نسخ هذا المحتوى.