“ياه وايني أهو”.. دراما أمازيغية بين الإبداع الفني والرسائل المجتمعية العميقة.

tahqiqe24

يونس سركوح،

يشهد الإنتاج الدرامي الأمازيغي طفرة نوعية خلال الموسم الرمضاني الحالي، حيث استطاعت سلسلة “ياه وايني أهو” أن تفرض نفسها بقوة ضمن قائمة الأعمال الأكثر مشاهدة، مستقطبةً جمهورًا واسعًا بفضل مزيجها الفريد بين الطابع الهزلي والنقد الاجتماعي العميق. ويأتي هذا النجاح نتيجة تكامل عناصر العمل، بدءًا من جودة السيناريو مرورًا بالإخراج المتميز وصولًا إلى الأداء التمثيلي المتقن، مما جعلها نموذجًا لدراما أمازيغية متجددة تتجاوز الترفيه السطحي لتطرح قضايا مجتمعية جوهرية.

تعتمد السلسلة على حبكة درامية دقيقة تعكس الواقع الاجتماعي بأسلوب ساخر لكنه هادف، حيث تتناول مواضيع تتعلق بالحياة اليومية للمواطن المغربي، مع التركيز على التحديات التي يواجهها الأفراد داخل مجتمع تتشابك فيه العادات والتقاليد مع المتغيرات الحديثة. وتُظهر الشخصيات، التي تمت صياغتها بعناية، مستوى عاليًا من التناسق بين التعبير الحركي والحواري، وهو ما يعكس مهارة الفريق التمثيلي وقدرته على تجسيد الأدوار بشكل يلامس وجدان المشاهدين.

يُحسب للمخرج محمد أمخاو اعتماده على رؤية إخراجية مبتكرة، تقوم على استخدام زوايا تصوير ديناميكية وإضاءة توظف البعد الجمالي للفن البصري، مما أضفى على المشاهد عمقًا بصريًا يواكب متطلبات المشاهد الحديث. كما أن الاعتماد على إيقاع سريع في السرد الدرامي، مع المحافظة على التماسك السردي، منح العمل حيوية وجاذبية، الأمر الذي عزز من تفاعل الجمهور معه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تصدرت حلقاته قوائم المشاهدات الأعلى على قناة Massilia Production على اليوتيوب.

ومن بين العناصر الأساسية التي ساهمت في نجاح السلسلة، يبرز دور الكاتب والممثل عبد الرحيم شهبون، الذي لم يكتفِ بصياغة سيناريو محبوك، بل قدم أداءً تمثيليًا قويًا استطاع أن يرسخ شخصيته في أذهان المشاهدين. وإلى جانبه، تألقت الفنانة سميرة بلخياط والممثل محمد ماكي وباقي الممثلون دون استثناء، حيث قدّما أدوارًا تجمع بين العفوية والاحترافية، ما جعل العمل يبدو أكثر انسجامًا ومصداقية.

إن تصنيف الجمهور لهذه السلسلة ضمن أفضل الإنتاجات الأمازيغية لهذا الموسم ليس محض صدفة، بل هو نتيجة لتكامل عناصر العمل الفنية والتقنية، وقدرته على تقديم محتوى يمزج بين الترفيه والتثقيف في آن واحد. وهذا ما يعكس تطور الدراما الأمازيغية، التي أصبحت اليوم قادرة على منافسة الأعمال الوطنية والعربية من حيث الجودة والإقبال الجماهيري.

في ظل هذا النجاح، تطرح “ياه وايني أهو” تساؤلات حول مستقبل الإنتاجات الأمازيغية ومدى قدرتها على التحول إلى صناعة قائمة بذاتها، خصوصًا في ظل تزايد الاهتمام بالثقافة الأمازيغية كجزء من الهوية الوطنية المغربية. فهل سيكون هذا العمل بداية لانطلاقة درامية أمازيغية أكثر حضورًا في المشهد الإعلامي، أم أنه سيظل نجاحًا استثنائيًا يرتبط بموسم رمضاني عابر؟

 

لا يمكن نسخ هذا المحتوى.