مقر الجماعة في مرمى السجال .. ومشاريع تنموية تمر في صمت

tahqiqe24

 

في خضم النقاشات التي أثارها مشروع بناء مقر جديد لجماعة تافراوت، برز صوتٌ يعلو دون غيره، ينظر إلى الخطوة من زاوية ضيقة لا تتجاوز جدران المبنى المزمع تشييده، متجاهلًا السياق التنموي العام الذي تنخرط فيه الجماعة، والمشاريع المهيكلة التي يجري تنفيذها تباعًا ضمن برنامج عمل طموح للفترة 2022-2028.

إن الاقتصار على انتقاد مشروع بعينه، واعتباره ترفًا إداريًا أو انشغالًا بالواجهة، دون استحضار الرؤية الكاملة، يُعد مقاربة مجتزأة تُقصي الوقائع وتختزل جهودًا جماعية في عنوان واحد. فبناء مقر جماعي جديد لا يمكن عزله عن الحاجة الملحة لتحديث البنيات الإدارية المحلية، في منطقة تسعى إلى تجاوز إرث التهميش، وتطمح إلى تحسين جودة الخدمات وتقريبها من المواطنين.

الواقع أن المقر الحالي للجماعة لا يواكب التحولات المتسارعة في حجم المهام، ولا يُوفر شروط العمل الملائمة للأطر الإدارية، ناهيك عن ضعف طاقته الاستيعابية في استقبال المواطنين. وفي المقابل، لا يشكّل المشروع عبئًا ماليًا على ميزانية الجماعة، باعتبار أن تمويله يتم عبر شراكات مع مؤسسات مركزية، وفي مقدمتها وزارة الداخلية، كما هو الحال في مشاريع مماثلة عبر ربوع المملكة.

من المؤسف أن يُختزل النقاش العمومي في زاوية واحدة، دون الالتفات إلى عدد من المشاريع التنموية التي أطلقتها الجماعة في السنوات الأخيرة، والتي تشمل تأهيل الأحياء الناقصة التجهيز، وتوسيع شبكتي الماء والتطهير، وتقوية الإنارة العمومية، وبناء مرافق اجتماعية كدار الطالب والملعب الجماعي، ومشاريع بيئية وتجارية تراعي الاستدامة وكرامة العيش، كإنشاء مركز فرز النفايات وسوق أسبوعي جديد.

كما أن الجماعة لم تُغفل المطالب الاجتماعية الأساسية، بل كانت من أولى المدافعين عن إحداث مستشفى القرب، وساهمت في الترافع لدى الجهات المعنية لتوفير خدمات صحية لائقة ترفع العناء عن الساكنة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن جماعة تافراوت وفرت الوعاء العقاري لهذا المشروع بمبلغ مهم، مما مهد الطريق أمام تنزيله على أرض الواقع، في تجلٍّ واضح لحرص المجلس الجماعي على الاستثمار في الصحة باعتبارها أولوية مجتمعية.

فهل من المنطق أن نُغضّ الطرف عن هذه المبادرات، ونوجّه سهام النقد إلى مقر إداري يروم التنظيم لا التباهي، ويستهدف النجاعة لا الزينة؟

ليس من الإنصاف أن يُتهم مشروع من هذا القبيل بهدر المال العام، في وقت تشهد فيه تافراوت دينامية غير مسبوقة على مستوى التأهيل الإداري والتنموي. بل إن المدينة تستعد، وفق مؤشرات متراكمة، لمرحلة انتقالية قد تؤهلها مستقبلاً إلى مستوى أعلى من التنظيم الترابي، قد يصل حدّ التفكير في إحداث عمالة، وهو ما يستوجب بنية إدارية محترمة توازي الطموح وتواكب التحول.

إن التركيز المفرط على النصف الفارغ من الكأس يعكس أزمة في التحليل لا في المشروع نفسه، ويُفقد النقاش عمقه ومصداقيته. فالنقد مطلوب، بل محمود، حين ينطلق من المعطيات الشاملة ويتحرّى الإنصاف والموضوعية. أما الانتقائية، فإنها تُقزّم الرؤية، وتُحوّل العمل المؤسساتي إلى مادة للاستهلاك الشعبوي لا تُغني الساكنة ولا تُقنع الرأي العام.

والرهان الحقيقي اليوم ليس في إيقاف مشروع بناء المقر، بل في ضمان أن يكون جزءًا من تصور متكامل لتنمية تافراوت، ينطلق من حاجيات الساكنة، ويصون كرامتهم، ويعزّز حضورهم في قلب السياسات العمومية. فالتنمية لا تُختصر في قرار واحد، بل تُبنى بتراكم الرؤى، وتعدد المبادرات، وتكامل المشاريع.

تابعنا

لا يمكن نسخ هذا المحتوى.