محمد مسير أبغور
نحن بين الشريعة والسنة، بين الوليمة والتضحية، حيث تختلف المفاهيم بين القطيع والقطعان، بين اللحم والشواء، وبينهما ركعتان في باحة المصلى والمساجد، في حضرة نحر الخروف… وتتنوع الأسباب: فرحة الأطفال، التمسك بسنة نبوية مؤكدة، وتاريخ إحيائها، دون أن تُدرج ضمن أركان الإسلام الخمس، ولا أركان الإيمان والتوحيد بالله عز وجل.
الأيام لا تستقيم. مشهد طوابير الرعية أمام محلات الجزارة وأسواق المواشي مشهد متكرر. التحدي أو عدم الاكتراث بتعليمات عاهل البلاد، وضعف البصيرة لدى السلطات المسؤولة، كلها عوامل تتناقض مع المصلحة الفضلى للبلاد.
الملك أمر بإمكانية التخفيف… لا يُصدر أمرًا، لا يفرض رأيًا، بل يضع يده على كتف الوطن المنهك ويقول له: “لا بأس إن لم تذبح هذا العام.”
المجالس العلمية، وعلماء الأمة، عاجزون عن شرح حقيقة المقاصد الشرعية من إحياء هذه الشعيرة، والهدف الأساسي منها، تاركين الأمر لمجموعة من “القطيع” تتلقى شعائرها وتعليماتها من جهات لا تهمها المصلحة العليا للوطن، بقدر ما يهمها زعزعة التماسك الذي نفتخر به بين الشعب وملكه، تماسك نتفهمه بحكم معاناتنا مع سماسرة اغتنوا من فشلنا الاقتصادي، وحكومة لم تراعِ ارتباطنا بالعرش.
تعليمات ملك البلاد حملت من الإنسانية والذكاء ما يعترف بالواقع ويقرأه، بدل أن يُكذّبه… وكأن الدولة، هذه المرة، قررت أن تساير الإنسان، لا أن تستهلكه.
لكن المواطنين انطلقوا متسارعين نحو محلات الجزارة. طوابير، فوضى، هستيريا جماعية… كأننا أمام حدث كوني لا يحتمل التأجيل. رافضين لفكرة عدم الذبح، وفاقدين للتمييز بين الشعيرة والعادة، بين الواجب الديني والضغط الاجتماعي.
أصبح العيد امتحانًا في التباهي والتماهي مع الجماعة بمنطق التبعية العكسية، لا مناسبةً للتقرب من الله. البعض يخاف من نظرة الآخر أكثر من وضعية الفقر، فيُفضلون الاستدانة بدل أن يُتَّهَموا بعدم إحياء سنة لا تُعدّ ركنًا أساسًا في الدين الإسلامي الحنيف، الذي يقوم على اليسر لا العسر.
هذه الفئة، بتصرفاتها، لا تذبح الخروف فقط، بل تذبح شيئًا في داخلها كل عام.
أمام مؤسسات القروض، تُذبح الكرامة حين يُقترض بالربا لأجل أكل اللحم، ثم تُختبأ هذه التصرفات خلف “الشعيرة”، وتُنسى الأقساط الشهرية وفوائدها الربوية.
هذه الممارسات التي تتكرر كل عام، لم تعد دينا، ولا شعيرة، بل تقليدًا اجتماعيًا أقوى من الدين نفسه. وهنا يُفترض بالدولة أن تُنقذنا من غلاء الأسواق ومن طقوس اجتماعية تخنقنا، رغم أننا نرفض الاعتراف بأنها كذلك.
نعم، القطيع ليس المواشي، وليس الناس… القطيع هو تلك الفكرة الجمعية والاجتماعية التي يرفض الناس مناقشتها، أو فهمها من جميع الجوانب، أو الاقتناع بها بشكل عقلاني ومتزن.