مدير النشر يونس سركوح،
بإقليم اشتوكة أيت باها، تتزايد مؤشرات الاحتقان الاجتماعي وسط ساكنة تعيش منذ سنوات على وقع الوعود التنموية غير المنجزة، والمشاريع المُعلن عنها التي لا تتجاوز عتبة البلاغات والمنشورات الرسمية. تسويق مكثف لأوهام التنمية في الفضاء العمومي، يُخفي وراءه فراغًا ملموسًا على مستوى البنيات الأساسية والخدمات العمومية، في وقت بات فيه المواطن الشتوكي أكثر وعيًا بالمفارقة الصارخة بين الخطاب التنموي والواقع الميداني.
التحليل الاجتماعي والسياسي لهذا الواقع يكشف أن ما يجري لا يمكن اعتباره مجرد تأخر أو تعثر في البرامج، بل هو نمط سياسي قائم على “صناعة الأمل المؤقت”، حيث يتم توظيف لغة المشاريع للتأثير العاطفي وشراء الوقت، دون رؤية واضحة أو نية فعلية للإصلاح. وفي خضم هذا الوضع، يتحول المواطن إلى متلقٍ سلبي، يعيش دورة متكررة من الوعود والخيبات، ما يُفاقم مشاعر الغضب وفقدان الثقة في المؤسسات المنتخبة.
الأخطر من ذلك أن هذا النموذج من التدبير لا يُقصي المواطن من ثمار التنمية فحسب، بل يعمّق الفوارق المجالية ويكرّس شعورًا جماعيًا بالإقصاء والتمييز. تغيب العدالة المجالية، وتتكرّس سياسة مفضوحة في توزيع المشاريع والفرص، لا تستند إلى معايير الإنصاف أو الأولوية الاجتماعية، بل إلى منطق الولاءات والمصالح الضيقة. وضمن هذا السياق، يُقصى منتخبون وفاعلون محليون من المشاركة الفعلية في النقاش أو اتخاذ القرار، حتى لو كانوا من نفس التوجه السياسي، في مقابل تمكين حلقات مغلقة من التحكم في مصير الإقليم.
ومن رأيي الشخصي، فإن المواطن الشتوكي لن ينال حقه الكامل في التنمية ما دام يُسلّم صوته وقراره السياسي لمن لا يشعر بمعاناته ولا يشاركه الهواجس اليومية. فطالما ظل القرار المحلي في قبضة لوبي من الأغنياء الذين يترشحون للدفاع عن مصالحهم الاقتصادية، ستبقى التنمية رهينة لحسابات انتهازية لا تراعي كرامة المواطن. وحده “ولد الشعب” القادم من الهامش، المتشبع بمرارة العيش وافتقاد أبسط ضروريات الحياة، هو القادر على حمل همّ المواطن بصدق وتجسيد تطلعاته في ميدان السياسة والبرامج الواقعية.
إن استمرار هذا النموذج من السياسة المفضوحة، المبني على تسويق الأوهام والتلاعب بالعقول، لا يُهدد فقط التنمية، بل يضرب أسس الاستقرار الاجتماعي، ويُحوّل الاحتياجات المشروعة للساكنة إلى وقود محتمل للتوتر والتذمر الجماعي. ما يحتاجه الإقليم ليس مجرد مشاريع مُعلن عنها، بل إرادة حقيقية في التغيير، ترتكز على إشراك المواطن، والقطع مع منطق الريع الانتخابي، وبناء نموذج تنموي أكثر عدلًا، وأشد التصاقًا بالواقع.