محمد مسير أبغور
يعرف قطاع الماء بإقليم شفشاون العديد من الإكراهات المركزية في التنزيل، وقد فشل على مستوى وزارة الماء منذ عهد الوزيرين الدويري وعبد القادر اعمارة، وصولًا إلى الوزير الحالي نزار بركة. ومن أبرز مظاهر هذا الفشل، المشروع المتعثر المتعلق بإنجاز المركب المائي بجماعة بني منصور، التابعة لإقليم شفشاون، والذي أُعطيت انطلاقته سنة 2019، بإعلان الوزير اعمارة عن إحداث مديرية مؤقتة للإشراف على إنجاز المشروع.
يرتبط هذا المشروع بتحويل المياه من شمال شرق البلاد لدعم مياه السقي بحوض ملوية، بميزانية ضخمة قُدّرت بـ12 مليار درهم، كما جاء في بلاغ رسمي عقب جلسة عمل ملكية خُصصت لإشكاليات الماء سنة 2019. لكن، وبعد مرور خمس سنوات، تبيّن أن هذا المشروع لا يزال بعيد المنال، رغم ما تم استثماره من موارد مالية وتقنية وبشرية في إعداد الدراسات الخاصة به.
ووفق توجهات الحكومات السابقة، وفي إطار السياسة المائية التي تنسجم مع الرؤية الملكية السديدة التي يوليها جلالة الملك محمد السادس لهذا القطاع الحيوي، كان من المفروض أن يكون هذا المشروع قاطرة للنهوض بمناطق معروفة بغزارة التساقطات المطرية، كإقليم شفشاون، وبشكل خاص منطقة الساحل الشمالي.
غير أن المشروع، منذ إنشاء المديرية المؤقتة الخاصة به، لم يشهد أي تقدم يُذكر، رغم موافقة الوزارة وتوظيف أطر لهذا الغرض، في وقت لم تكن فيه الدراسات التقنية والمالية والقانونية للمشروع قد استُكملت بعد.
ولا يزال مشروع المركب المائي لبني منصور عالقًا في مرحلة الدراسات والتصاميم، دون أن يتعداها إلى مرحلة التنفيذ، مع العلم أن إنشاء مديرية مؤقتة من مستوى مديرية مركزية كان مشروطًا بإحداث مقر إداري قرب موقع المشروع، أسوة بمشاريع مماثلة، غير أن هذه المديرية ظلت حبيسة الإدارة المركزية بالرباط، دون أي خطوة فعلية على أرض الواقع.
ويُعد مشروع سد الرتبة بتاونات، الذي تمتد توسعته إلى جماعة المنصورة بإقليم شفشاون، من بين المشاريع المائية المتعثرة بدوره. ويُرتقب أن يضم هذا السد مناطق شاسعة من الإقليم، ليُصبح ثاني أكبر سد في المغرب بعد سد الوحدة بإقليمي تاونات ووزان.
وبالرجوع إلى مشروع المركب المائي الذي كان موضوع بلاغ ملكي في أبريل 2019، والذي رُصدت له في البداية ميزانية بلغت 6 ملايير درهم، فقد تم لاحقًا تقسيمه إلى ثلاثة سدود صغيرة: بني منصور، بواحمد، ودار ميمون، وهو ما يطرح تساؤلات جوهرية حول مدى دقة الدراسات التقنية والمالية والقانونية التي كان يُفترض أن تُنجز قبل إطلاق المشروع.
وتُنذر التأخيرات التي تطال هذه المشاريع المائية، في ظل التغيرات المناخية وموجات الجفاف التي عرفها المغرب مؤخرًا، بأزمة وشيكة في قطاع الماء، خاصة مع ضعف الترشيد في الاستهلاك، وغياب الالتزام باستخدام هذه المادة الحيوية بشكل عقلاني، الأمر الذي يُهدد بظهور أزمات جديدة أكثر حدة.
ومما يزيد من تعقيد الوضع انطلاق زراعة القنب الهندي، التي تتطلب كميات كبيرة من المياه، دون وجود تصور واضح حول تدبير الموارد المائية بشكل متوازن.
وقد شهدت السياسة المائية في عهد الوزير نزار بركة تراجعًا ملحوظًا، يشعر به كل الفاعلين في القطاع الفلاحي، ما يستدعي إعادة تقييم حقيقية للعمل، والتفكير في تسريع وتيرة تنزيل هذه المشاريع، خاصة وأن استمرار الأزمة قد يؤدي إلى فشل مشاريع فلاحية ضخمة راهنت عليها الحكومة المغربية.
ويُسجل في هذا السياق غياب شبه تام للرقابة التقنية والمالية والإدارية، إلى جانب ما يصفه الفاعلون بالتواطؤ السلبي، الذي يفاقم الأزمة ويحول دون اتخاذ قرارات جريئة وحاسمة تصون وتحافظ على الموارد المائية.