محمد مسير أبغور
لاحظ زوار مدن الشمال، خصوصاً تطوان والمضيق، انتشار مظاهر خطيرة في الأماكن العامة، سواء في الشوارع أو الشواطئ، تتعلق بمعضلة اجتماعية وجرائم مكتملة الأركان، وسط تماطل الجهات المعنية في مكافحتها والتصدي لها.
ظاهرة التسول والاتجار بالبشر تعد من أخطر الجرائم وأكثرها انتشاراً، وتعاني منها العديد من المجتمعات حول العالم، لا سيما في الدول النامية والفقيرة. ورغم اختلاف طابع كل ظاهرة، إلا أن هناك ترابطاً وثيقاً بينهما.
في شوارع المضيق، مرتيل، تطوان، والفنيدق، يُستغل الضعفاء والمحتاجون، وغالبيتهم يدّعون الفقر والعجز ضمن عمليات تسول ممنهجة، قد تندرج ضمن شبكات منظمة للاتجار بالبشر. ويتم استغلال هؤلاء في الأماكن العامة، أمام المساجد، على الأرصفة، داخل الأسواق، أمام المشاريع التجارية، وحتى في المحطات الطرقية، عبر استجداء العطف بمظاهر العجز أو المرض أو الحاجة القصوى.
غياب فرص الشغل وارتفاع الفقر يدفع البعض إلى امتهان التسول كوسيلة للبقاء، بل أصبح للبعض مصدر دخل يصعب على السلطات حصره. وتُجبر فئات مستضعفة، خصوصاً الأطفال، على التسول، حيث يتم استغلالهم من قِبل شبكات منظمة، توفر لهم الإيواء بأثمنة خيالية بهدف التستر عليهم، كما يُستغل ذوو الإعاقة، ويتم كراء أطفال رضع لاستخدامهم وسيلة لاستعطاف المجتمع.
وتُعد المدن الشمالية وجهة مفضلة لهذه الشبكات، إذ تكون أول من يصل إلى الشوارع قبل الزوار والسياح، بفضل معرفتهم المسبقة بطبيعة هذه المدن وأماكنها الإستراتيجية. ويحرصون على الانصهار وسط الساكنة المحلية لتفادي رصدهم من طرف السلطات والدوريات الأمنية، التي تُركز جهودها على منع الباعة المتجولين، متغافلة عن خطورة هذه الشبكات التي يجرم القانون المغربي أنشطتها.
وحسب بحث ميداني بمدينة تطوان، فقد كشفت معطيات عن وجود شبكة تضم أكثر من 40 شخصاً، رجالاً ونساءً وأطفالاً في عمر الزهور، يدّعون أنهم من أصول سورية، مستغلين وضع بلدهم لاستعطاف الساكنة. ويقصد هؤلاء أهم شوارع المدينة بشكل يومي وروتيني لا يتغير. كما تم رصد شبكة أخرى تستغل إشارات المرور بطريقة محكمة، توحي بأنها تحظى بحماية من جهة مجهولة.
أما في مدينة المضيق، التي تعرف حملات موسمية، فقد برز نوع آخر من التسول، يتمثل في ادعاء محاولة الهجرة السرية وفشلها، حيث يجوب شباب أهم الشوارع، متسولين بأساليب عدوانية تُرهب النساء والفتيات، وتتخللها ألفاظ نابية وعنف لفظي وجسدي في بعض الأحيان، لإجبار المارة على تقديم المال تفادياً لأي اعتداء. وتستهدف هذه الفئة الشوارع الرئيسية وشاطئ المدينة تحديداً.
وتشهد هذه الظواهر ارتفاعاً ملحوظاً أثار استياء الساكنة والزوار، نظراً للمضايقات التي يتعرض لها الزبائن في المقاهي والمطاعم، ما يؤثر سلباً على جاذبية السياحة في هذه المدن. ويُنتظر من السلطات الأمنية والمحلية التحرك بصرامة لمواجهة هذه الظواهر، وتقديم المتورطين للعدالة، وتذكيرهم بالجرائم التي يرتكبونها أمام الرأي العام وفي الفضاء العام.