محمد مسير أبغور
في مشهد مؤثر، وفقًا لما أوردته جريدة “الأخبار” الورقية، انهار البرلماني محمد السيمو بطريقة هستيرية أمام هيئة محكمة جرائم الأموال، حيث مثُل بصفته رئيسًا لجماعة القصر الكبير عن حزب التجمع الوطني للأحرار، وذلك أثناء مواجهته لتهم ثقيلة تتعلق باختلاس وتبديد أموال عمومية، إضافة إلى تلقي فائدة من مؤسسة يرأسها. وهي تهم، إن ثبتت، قد تُحدث زلزالًا سياسيًا محليًا وربما وطنيًا.
دموع السيمو، التي قد تثير تعاطف البعض، تعيدنا إلى سؤال مركزي: من يُحاسب المسؤولين المنتخبين حين تتحول مناصبهم إلى ممرات مغلقة أمام الشفافية والمساءلة؟
تبرير السيمو بجهله للغة الفرنسية – لغة التواصل الإداري – وعدم قدرته على القراءة والكتابة، لتمرير وثائق مالية مشبوهة، يطرح تساؤلات عميقة بشأن مستوى الكفاءة المعرفية لعدد من المنتخبين عبر ربوع المملكة، خاصة في الجماعات الحضرية كمثل جماعة القصر الكبير.
ويزداد الوضع تعقيدًا في ظل غياب فعالية أجهزة المراقبة، ومحدودية تدخل وزارة الداخلية، وتراجع دور الكُتاب العامين للجماعات، ما يجعل من الجماعة حقلًا خصبًا لاختلالات جسيمة.
الأخطر في هذا الملف، هو محاولة السيمو تحميل المسؤولية لعامل إقليم العرائش والكاتب العام للعمالة، زاعمًا أن التأشيرات التي وُضعت على تلك الصفقات المثيرة للجدل جاءت منهما، وهو ما يضع الجميع تحت مجهر المساءلة، ويوسع دائرة المحاسبة من شخص إلى منظومة إدارية مترابطة ومعقدة من الصفقات، والتواطؤات، والثغرات البنيوية.
إن هذه القضية ليست مجرد محاكمة فرد، بل هي امتحان حقيقي لثقة المواطنين في المؤسسات، في دولة تسعى جادة إلى ترسيخ مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
ويُستشف من سير الجلسات أن هيئة المحكمة تعتمد على منهجية دقيقة في الاستماع واستجلاء الحقيقة. أما تأجيل مرافعات الدفاع إلى 30 يونيو، فهو دليل على أن الملف يتطلب تعميقًا وتحقيقًا أوسع.
وإذا ثبتت الإدانة بأدلة قوية، فقد يواجه السيمو ومن معه أحكامًا ثقيلة بالسجن والتجريد من الأهلية السياسية، مع احتمال فتح ملفات مماثلة في جماعات أخرى. أما إذا جاءت الأحكام مخففة أو تضمنت تبرئة بسبب ما يُعرف بـ”الملتمسات الإنسانية” أو “ضعف الإثبات”، فقد يشكل ذلك انتكاسة كبيرة في ثقة المواطنين بمنظومة القضاء والرقابة.
قضية السيمو ليست معزولة، بل تُعد لحظة فارقة قد ترسم حدودًا فاصلة بين مغرب يراكم النفاق السياسي ومغرب جديد يعيد الاعتبار لهيبة الدولة وعدالة القانون، ويضع حدًّا لحالات الإفلات من العقاب، أيًّا كان مرتكبها.
إنها أيضًا دعوة صريحة للأحزاب السياسية لمراجعة طرق اختيار مرشحيها، والابتعاد عن منطق “مول الشكارة” و”الشعبية الجاهلة”، لصالح كفاءات قادرة على فهم تعقيدات الترسانة القانونية والإدارية، وعلى تدبير الشأن المحلي بوعي ومسؤولية.
تجدر الإشارة إلى أن السيمو أُحيل أمس الثلاثاء على أنظار محكمة جرائم الأموال بالرباط، إلى جانب 13 متهمًا آخرين من بينهم مستشارون وموظفون، على خلفية تهم تتعلق بتبديد أموال عمومية واختلالات إدارية جسيمة. وكانت المحكمة قد سبق أن أصدرت قرارًا بسحب جواز سفره، وتجميد أرصدته المالية، والحجز على ممتلكاته الخاصة كإجراء تمهيدي لبداية المحاكمة.