انطلقت بمدينة بون الألمانية الاثنين 15 يونيو الجاري أشغال الدورة الثانية والستين للّجان الفرعية التابعة لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (SB62)، والتي تمثل محطة تفاوضية رئيسية تسبق انعقاد مؤتمر الأطراف COP30 المرتقب نهاية السنة الجارية في البرازيل. ويأتي هذا الحدث الدولي في ظل تصاعد الأصوات المطالبة بتسريع وتيرة العمل المناخي، وتحقيق العدالة المناخية، لا سيما لصالح الدول النامية والأكثر هشاشة في مواجهة الكوارث البيئية المتزايدة.
ويشارك في المؤتمر ممثلون عن الحكومات، والمؤسسات الدولية، والمجتمع المدني من مختلف أنحاء العالم، بينهم الناشط البيئي حمزة ودغيري، ورئيس الجمعية المغربية للاقتصاد الأخضر من أجل البيئة والعدالة المناخية ورئيس شبكة العدالة المناخية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، الذي أبرز في تصريح خاص أن مشاركته في المؤتمر تأتي لحمل صوت المجتمع المدني والمجتمعات المتضررة، وعلى رأسها القارة الإفريقية، التي تحتاج إلى سياسات عادلة تنصفها وتمكنها من مواجهة التحديات المناخية بفعالية وشراكة حقيقية، وفي شأن مساعي تحقيق العدالة المناخية بإفريقيا أكد ودغيري أن “أفريقيا لا تطالب بامتيازات، بل تطالب بإنصاف تاريخي ومناخي، يضعها على قدم المساواة مع باقي القارات في الوصول إلى الحلول والتمويل والتكنولوجيا.”
وشدّد ودغيري على أن القارة الإفريقية، رغم أنها لا تساهم إلا بنسبة تقل عن 4% من إجمالي الانبعاثات العالمية، تدفع الثمن الأغلى لتغير المناخ، في شكل جفاف حاد، فيضانات كارثية، تهديد متصاعد للأمن الغذائي، وندرة متفاقمة في الموارد المائية. وأضاف أن “هذه الوضعية لا يمكن معالجتها فقط من خلال حلول تقنية، بل تتطلب معالجة أخلاقية وسياسية تلزم الدول الصناعية بواجباتها تجاه الجنوب العالمي، وتعيد بناء الثقة بين الشمال والجنوب.”
وصرح ودغيري انه من المتوقع أن تشكل الدورة SB62 مرحلة تحضيرية حاسمة قبيل COP30، حيث يرتقب أن تناقش قضايا معقدة أبرزها تقييم التقدم المحرز في إطار “الجرد العالمي” (Global Stocktake)، ومراجعة الالتزامات الوطنية المناخية (NDCs)، وترجمة نتائج مؤتمر COP28، خاصة المتعلقة بصندوق “الخسائر والأضرار”، إلى التزامات ملموسة. كما تناقش الجلسات إطار ما بعد 2025 للتمويل المناخي، وآليات تنفيذ المادة 6 المتعلقة بالأسواق الكربونية، وتفعيل الهدف العالمي للتكيف، إلى جانب دمج قضايا الصحة العامة والعدالة المناخية والانتقال العادل ضمن السياسات المناخية العالمية.
في حديثه عن المغرب، أبرز ودغيري الريادة المغربية في مجال العمل المناخي، مشيرا إلى أن المملكة المغربية ، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، “لا تكتفي بالتوقيع على الاتفاقيات المناخية الدولية، بل تقدم نموذجا مبادرا وواقعيا، من خلال مشاريع ملموسة ومقاربات مندمجة تشمل الطاقات المتجددة، والاستراتيجيات الوطنية والجهوية، وتطوير قدرات التكيف والمرونة المناخية.”
وأشار إلى أن المغرب أطلق استثمارات ضخمة في الطاقات النظيفة، كالهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية والريحية، كما فعّل استراتيجية التنمية المستدامة الوطنية، ووضع خططا جهوية للتكيف مع التغيرات المناخية، مما يجعل من التجربة المغربية مرجعا إفريقيا يمكن الاستفادة منه في مسارات التفاوض والتطبيق.
توقف ودغيري عند المبادرة المغربية الأخيرة “إفريقيا من أجل المحيط”، التي تم الإعلان عنها خلال قمة نيس بفرنسا، برئاسة مشتركة بين جلالة الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مبرزا أنها تمثل تحولا نوعيا في مسار الترافع المناخي من طرف بلدان الجنوب، وتعكس التزام المغرب العميق بقضايا القارة الإفريقية والمحيطات والموارد الساحلية، المبادرة التي تهدف إلى إعادة صياغة الدور البحري الإفريقي عبر ثلاثة محاور استراتيجية: اعتماد النمو الأزرق كرافعة للتنمية المستدامة، وتعزيز التعاون جنوب-جنوب من خلال تنسيق الجهود حول الفضاءات المحيطية، إلى جانب تحقيق النجاعة البحرية عبر دمج السياسات البيئية والاقتصادية في حوض المحيط الأطلسي، واعتبر ودغيري أن هذه المبادرة تؤكد موقع المغرب كشريك موثوق في صياغة الحلول البيئية، كما تبرز قدرة المملكة على تقديم أجوبة ملموسة تعزز السيادة البيئية لإفريقيا، وتدافع عن مصالح دول الجنوب داخل المنتديات الدولية.
وختم ودغيري تصريحه بالتأكيد على أهمية إشراك المجتمع المدني، وخاصة النساء والشباب، في قلب عمليات التفاوض وصنع القرار المناخي، موضحا أن هذا الحضور لا يمكن أن يبقى شكليا أو رمزيا، بل يجب أن يتحول إلى رافعة حقيقية لتعزيز الشفافية والمساءلة، وإدماج المجتمعات المتضررة كجزء فاعل في الحل، لا كضحايا صامتين للأزمة المناخية العالمية، داعيا إلى إعادة توزيع أدوات التأثير، وتمكين الفاعلين غير الحكوميين من المساهمة الفعلية في بناء مستقبل بيئي أكثر عدالة وتوازنا.