هيئة التحرير،
عاد الجدل السياسي ليطفو من جديد على سطح النقاشات الحزبية بإقليم تيزنيت، عقب تنظيم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لمؤتمره الإقليمي الرابع يوم أمس الجمعة 27 يونيو 2025، الذي التأم تحت شعار «لا استدامة تنموية بدون ديمقراطية حقيقية». وقد شهد هذا اللقاء حضور عدد من مناضلي الحزب ومتعاطفيه، فضلاً عن فعاليات من هيئات سياسية أخرى، وتميز بكلمة عضو المكتب السياسي مهدي مزواري التي أثارت نقاشًا واسعًا تناول أداء الحكومة.
وفي هذا السياق، أعاد نشطاء محليون تداول بيان صادر عن الكتابة الإقليمية للشبيبة الاتحادية بفرنسا، مؤرخ في 2 مارس 2024، أعاد إلى الواجهة ما أصبح يعرف إعلاميًا بـ«قضية مكتب الدراسات»، مستندًا إلى معطيات تقرير المجلس الأعلى للحسابات. وأشار البيان إلى حصول الحزب في 11/09/2022 على دعم مالي إضافي بلغت قيمته 1.930.896,03 درهم، مخصص لإنجاز دراسات أسندت إلى مكتب الاستشارة «MELA STRATEGIE & CONSEIL» الذي تأسس حديثًا يوم 21/02/2022.
وبيّن البيان أن هذا المكتب مملوك لكل من مهدي مزواري عضو المكتب السياسي، وحسن لشكر نائب رئيس الفريق الاتحادي بمجلس النواب، واخرون. وذكر أن المكتب حاز صفقة لإنجاز 23 دراسة بمبلغ إجمالي قدره 1.835.000 درهم، أي ما يعادل نحو 95 % من مجموع الدعم، دون إخضاع العملية لأي مسطرة منافسة، معتبرا ذلك «واحدًا من أبرز الأمثلة الصريحة على تضارب المصالح».
كما نقل البيان عن تقرير المجلس الأعلى للحسابات (ص 89) رصده غياب اتفاقيات مفصلة تحدد الشروط والتكاليف الخاصة بكل دراسة على حدة، ما أفضى إلى توقيع عقد جزافي يشمل جميع الدراسات مقابل نفس المبلغ وفي مدة أربعة أشهر. وأضاف أن الوثائق المقدمة وعددها 21 من أصل 23 «لم تتبع المعايير العلمية الصارمة»، مما انعكس سلبًا على جودة النتائج وصلاحية الاقتراحات.
فيما جرى في الوقت نفسه تداول مقال نشره موقع «تيلكيل عربي» يوم السبت 16 مارس 2024، أشار إلى بيان آخر، إلى جانب البيان الأول، تم تداولهما معًا على نطاق واسع عبر تطبيق التراسل الفوري «واتساب». وقد تضمن هذا البيان الثاني موقف أربعة قادة سابقين في الحزب، هم عبد المقصود راشدي، وحسن نجمي، وصلاح الدين المانوزي، وشقران أمام، الذين أكدوا أنهم اختاروا «ألا ينخرطوا في مؤامرة الصمت» معبرين عن رفضهم وشجبهم لما وصفوه بـ«الانحراف الجشع الذي سجلته مؤسسة دستورية عليا محترمة بحس المسؤولية وروح القوانين»، في إشارة واضحة إلى تقرير المجلس الأعلى للحسابات.
وأوضح القادة الأربعة أن التقرير يعكس، إلى جانب تقارير وملاحظات أخرى تهم المشهد السياسي الوطني، «الحاجة الملحة إلى إصلاحات تمس القانون التنظيمي للأحزاب السياسية، بما يجاوز ثغراته الحالية عبر وضع قواعد قانونية واضحة تحقق فعلا الأهداف التي جاء من أجلها»، معتبرين أن غياب ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتفادي بعض الأحزاب مقتضيات قانونية مثل تحديد الولايات، قد أفرغ القانون من مضمونه.
وأضافوا أن «عموم الاتحاديات والاتحاديين والمتعاطفين الصادقين أصيبوا بصدمة قوية» جراء ما أورده التقرير بشأن الاعتمادات المالية المخصصة للأبحاث والدراسات، وما خلفه ذلك من نقاش عام «يضرب في العمق صورة الحزب ومصداقية قيادته الحالية، ويمس بشرف وكرامة وسمعة المناضلين الذين ظلوا أوفياء لتاريخ الاتحاد وذاكرته وقيمه وأخلاقه».
وطالب البيان الكاتب الأول للحزب والمكتب السياسي بـ«تقديم التوضيحات الدقيقة حول الملاحظات التي كشف عنها التقرير، وترتيب كل الآثار القانونية والتنظيمية وتحمل المسؤولية الأخلاقية». كما حذر من «الغموض الذي يطبع البناء التنظيمي للحزب واستفراد الكاتب الأول بالقرار، بما يشكل تراجعًا خطيرًا على مستوى الممارسة الديمقراطية داخله»، مشيرين إلى أن أعضاء المكتب السياسي أنفسهم «لم يكونوا على علم بتفاصيل صفقة الدراسات ولا تمويلها ولا المساطر المتبعة».
كما دعا القادة السابقون إلى «نشر القانون الأساسي والنظام الداخلي للحزب، وبيان مدى ملاءمتهما للتعديلات التي اعتمدت بعد المؤتمر الأخير، مع توضيح توزيع المهام داخل المكتب السياسي»، خاصة هوية أمين المال الذي «لم يعلن اسمه بالرغم من أهمية دوره في توقيع الوثائق المالية مع المسؤول الأول».
وشجب البيان ما وصفه بـ«منطق الكاتب الأول في التعامل مع كل من يعبر عن رأي مخالف، ونزع صفة الانتماء الحزبي عنه»، في إشارة إلى ما وقع مع بيان الكتابة الإقليمية للشبيبة الاتحادية بفرنسا. وختم بالتأكيد على أن «الفضيحة الأخيرة التي مست سمعة الاتحاد الاشتراكي ومكانته التاريخية وسلطته الأخلاقية تلزم الجميع اليوم بموقف واضح ومسؤول يرفض الانحرافات المالية والسياسية والتنظيمية، ويشجب العبث الذي يسيء لمصداقية العمل السياسي الوطني والمؤسسة الحزبية».
وتبرز هذه البيانات والتفاعلات المتلاحقة حجم النقاش الداخلي الذي يعيشه الاتحاد الاشتراكي في سياق وطني يتزايد فيه الاهتمام بتعزيز قيم الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة، سواء داخل الأحزاب أو على مستوى المؤسسات العمومية، بما يكفل صيانة الثقة في العمل الحزبي والديمقراطي.