الصحافي مخضار محمد
حين تتصادف اللحظة الرياضية بالمعنى الحضاري، ويتعانق نبض الأرض بروح القارة، يصبح الحدث أكثر من مجرد مباراة، وأكثر من مجرد افتتاح. هكذا بدا المشهد في الرباط، حين احتضنت العاصمة المغربية افتتاح كأس أمم إفريقيا للسيدات 2024، في لحظةٍ تجاوزت التوقعات، وبنت على أرضية الفن والهوية والروح الجماعية مشهداً سيظل عالقاً في ذاكرة الرياضة الإفريقية طويلاً.
لم يكن الحفل مجرد مناسبة افتتاحية كلاسيكية، بل كان عرضاً بصرياً وروحياً وموسيقياً، نسج لحناً جديداً لإفريقيا؛ لحناً يتكوّن من الألوان والرقصات والرموز التي تمثل تنوع القارة واختلافها، لكنها تُجمع على شيءٍ أسمى: الانتماء. المغرب لم يقدّم نفسه كمضيف فحسب، بل جسّد فكرة الاحتضان الحقيقي؛ احتضان الإنسان قبل الفريق، واحتضان القارة قبل البطولة.
الافتتاح حمل توقيعاً مغربياً خالصاً في جوهره، لكنه مُدّ بلغة إفريقية شاملة. بين الأزياء التقليدية المغربية والفلكلور الأمازيغي والموسيقى الإفريقية الحديثة، بدا المشهد كلوحة واحدة تترجم كيف يمكن للأصالة أن تتقدم نحو المعاصرة دون أن تتخلى عن جذورها. كانت الفقرة الفنية تحية للماضي واستشرافاً للمستقبل في آنٍ واحد، تُحاكي ذوق الأجيال الجديدة وتحترم ذاكرة الشعوب.
وفي الميدان، كان للمباراة الافتتاحية ما يوازي ذلك الجمال الفني في الشغف الكروي. لقاء المغرب وزامبيا لم يكن عابراً، بل حمَل روح التحدي والإصرار من أول لمسة. تقدّمت زامبيا مبكراً، لكن الرد المغربي جاء سريعاً، ثم تقدّمت زامبيا من جديد، ليتحقق التعادل في آخر أنفاس اللقاء، في مشهد يُجسّد التقلبات الإفريقية: المتعة، المفاجأة، والإيمان بأن النتيجة لا تُحسم إلا مع الصافرة الأخيرة.
لم يكن التعادل إلا جزءًا من السيناريو العام؛ سيناريو الانفتاح، وسيناريو الاحتفاء بالمرأة الإفريقية كلاعبة، وفاعلة، وممثلة لبلدها في محفل قاري يحترم جسدها كما يحترم مهارتها. من قال إن كرة القدم تُحكى فقط من خلال الرجال؟ من الرباط جاء الردّ، أن البطولة النسوية قادرة على حشد الجماهير، على تحريك المشاعر، وعلى تصدّر المشهد بعفوية وقوة.
المغرب، من خلال هذا الحدث، لم يكرّم فقط كرة القدم، بل كرّم إفريقيا نفسها. لم يكتف بتوفير الملاعب وتنظيم البروتوكولات، بل قدّم للقارة وجهاً حضارياً يُعيد تعريف العلاقة بين الشمال والجنوب، بين العرب والسود، بين الفرنكوفونية والأنغلوساكسونية. هنا، لا مكان للتجزئة، بل وحدة ضمن الاختلاف، وتعدد تحت سقف واحد اسمه “الانتماء الإفريقي”.
وفي خلفية الحدث، تتردّد رسالة لا تقلّ أهمية: أن المغرب ليس مجرد بلد مشارك في إفريقيا، بل هو قلب من قلوبها النابضة. بلد يسهم في إعادة تشكيل صورة القارة أمام العالم؛ من قارة فقيرة مهمّشة، إلى فضاء ديناميكي غني بالثقافات، وبالطاقات، وبالوجوه النسائية التي تصنع الفرق فوق العشب الأخضر، كما تصنعه في مؤسساتها ومجتمعاتها.
بهذا الافتتاح، بدأت البطولة، وبدأ معها فصل جديد في العلاقة بين الرياضة والثقافة، بين القارة وذاتها. المغرب لم يُنظم حدثاً فقط، بل روى قصة. قصة قارة تكتشف نفسها من جديد، من خلال النساء، من خلال اللعب، ومن خلال الحلم الجماعي الذي لا يحتاج إلى لغة مشتركة، بل إلى شغف مشترك