صرخة من أعالي الجبل: هل آيت بوكماز خارج خريطة الوطن؟

الزهرة زكي

محمد المطاعي .

في مشهد مؤلم يعكس عمق التهميش، خرج أبناء آيت بوكماز، رجالاً وشباباً، في مسيرة أطلقوا عليها اسم “طريق المعاناة نحو الكرامة”، مطالبين بأبسط الحقوق: طبيب قار، تغطية للأنترنت، وطريق معبّدة. حقوق بديهية تحوّلت في مناطق المغرب العميق إلى ترف بعيد المنال.

 

هذه المسيرة، التي قُطعت فيها كيلومترات طويلة مشيًا على الأقدام تحت شمس يوليوز الحارقة، ليست مجرد احتجاج موسمي. إنها صرخة وجود من منطقة تُركت خارج حسابات التنمية لعقود، وأُشبعت وعودًا دون وفاء.

 

في حوار صريح مع موقع “تيلكيل عربي”، عبّر خالد تيكوكين، رئيس جماعة تبانت (آيت بوكماز)، عن حجم الغضب الشعبي، واصفًا الجماعات الجبلية بـ”البارشوك الخاوي” الذي يُحمّل صلاحيات بلا ميزانيات، ويُترك وحيداً في مواجهة حاجيات مُعقّدة لساكنة تعيش على الهامش.

 

تنمية مشروطة بالولاء السياسي؟

 

ما يكشفه هذا الحوار أخطر من مجرد نقص في الخدمات. هو اتهام واضح للدولة باستعمال المال العام كأداة سياسية، حيث يتم “مكافأة” الجماعات التي تسيرها الأحزاب الموالية، ويُعاقَب من يخرج عن الصف. هذه ممارسات تقوض مبدأ المساواة وتنسف أسس العدالة المجالية.

 

تيكوكين نفسه، رغم كونه مسؤولًا منتخبًا، لم يُسمح له بعقد لقاء موسع مع عامل إقليم أزيلال يشمل المجتمع المدني، في مشهد يختزل احتقارًا ضمنيًا لصوت المواطن، حتى عندما يكون منظمًا ومؤطرًا.

 

الدولة الغائبة في قلب الجبل

 

المفارقة الكبرى أن جماعة آيت بوكماز، الواقعة بين إقليمي أزيلال وتنغير، تؤدي خدمات لجماعات مجاورة أكثر مما تتلقاه من الدولة. أقرب مستشفى على بُعد 80 كيلومترًا، والطريق إليه وعرة. الإنترنت غائب عن عشرات الدواوير، والطبيب الوحيد الذي خدم المنطقة كان يعمل بعقد مع جمعية، لا كموظف رسمي.

 

المواطن هناك يُعالج بـ”الانتظار”، ويُدرّس أبناءه بـ”الحظ”، ويتنقل في الشتاء بـ”الدعاء ألا تغلق الثلوج الطريق”. وكلما عاد المهاجرون والطلبة إلى الدوار، ازداد الشعور بالهوة بين “مغربين”: مغرب الامتياز ومغرب التجاهل.

 

هل نحتاج مسيرات لاستعادة الكرامة؟

 

كان واضحاً في حديث تيكوكين أن المسيرة لم تكن خيارًا أولًا. بل كانت الملاذ الأخير حين سُدّت أبواب الحوار وتُركت الملفات تراوح مكانها. حتى المشروع النموذجي لتثمين النفايات الذي تم تخصيص عقار وتمويل أولي له، جُمّد دون توضيح. والمركز الجبلي الوحيد في شمال إفريقيا لتكوين المرشدين السياحيين، أغلق منذ سنوات، رغم توفر الشراكات.

 

إن كان كل ذلك لا يكفي لتحريك مسؤول أو إحياء مشروع، فماذا يجب على أبناء الجبل أن يفعلوا أكثر من السير تحت الشمس وترك سياراتهم في المعابر الجبلية؟

 

هذه ليست أزمة مطالب… بل أزمة دولة

 

ما يطلبه سكان آيت بوكماز لا يحتاج إلى لجان مركزية ولا دراسات استراتيجية. هم يريدون فقط أن يُعاملوا كمواطنين. أن يُنظر إليهم بنفس العين التي تُرى بها مدن الساحل والواجهة. أن يتوقف المسؤولون عن انتظار موسم الانتخابات ليطلقوا مشاريع، أو يستعملوا الخصاص كورقة ضغط حزبي.

لا يمكن نسخ هذا المحتوى.