تسييس المجتمع المدني؟ علامات استفهام بعد حضور منتخبين في لقاء رسمي مع عامل الإقليم

tahqiqe24

مدير النشر: يونس سركوح

شهدت قاعة عموري مبارك بجماعة بلفاع، يوم أمس الأربعاء 16 يوليوز الجاري، تنظيم لقاء تواصلي جمع بين فعاليات من المجتمع المدني بدائرة بلفاع ماسة مع السيد عامل إقليم اشتوكة أيت باها، وذلك في إطار جلسة رسمية وصفت بأنها جاءت لاستعراض حاجيات الفاعلين الجمعويين وتعزيز آليات الإنصات والتشارك. غير أن هذا اللقاء، وبالرغم من طابعه المدني الخالص، طبعته مشاركة عدد من المنتخبين المحليين، وهو ما أثار جدلا واسعا في أوساط المجتمع المدني المحلي، وفتح الباب أمام أسئلة قانونية ومبدئية بشأن مشروعية هذا الحضور وسياقه وتأثيره على استقلالية الفضاء الجمعوي.

ففي الوقت الذي عبر فيه عدد من النشطاء الجمعويين عن ترحيبهم بالمبادرة التواصلية كإشارة إيجابية تعكس انفتاح الإدارة على محيطها المدني، لم تخف فئات أخرى انزعاجها من حضور المنتخبين في لقاء لم يوجه إليهم صراحة، معتبرين ذلك تدخلا غير مبرر في فضاء يفترض أن يخصص للمجتمع المدني، لا للسلطة المنتخبة. واعتبر هذا الحضور، في نظر كثيرين، بمثابة خلط في الوظائف، قد يرقى إلى درجة حالة تناف وظيفي غير منصوص عليه صراحة، لكنه قائم عمليا في ظل غياب تأطير قانوني صارم لهذه الوضعيات.

يتأسس هذا النقاش على مفارقة دقيقة بين الصفة التمثيلية للمنتخب، ودور الفاعل الجمعوي. فالأول يمارس اختصاصاته داخل المؤسسة المنتخبة، ويضطلع بمهام التخطيط والتدبير والمراقبة، بينما يفترض في الثاني أن يشتغل من خارج منطق القرار السياسي، عبر أدوات المرافعة والتقييم والاقتراح، انطلاقا من موقع مستقل ومتحرر من الاعتبارات الحزبية أو التوازنات الانتخابية. وبهذا المعنى، فإن تقاطع الأدوار داخل نفس الفضاء، خاصة في لحظة استماع مدني محضة، قد يفرغ اللقاء من دلالته، ويقوض مصداقيته وجرأته.

ويطرح هذا الوضع، في بعده الأعمق، تساؤلا مشروعا حول ما إذا كنا أمام ممارسة تندرج في إطار تسييس العمل الجمعوي بشكل غير مباشر، عبر الحضور الرمزي لمنتخبين في لحظة يفترض أن تكون مستقلة عن كل تمثيل سياسي. وهل يؤدي هذا التداخل إلى التأثير في طبيعة المخرجات، وتوجيه النقاش بما يتلاءم مع أجندات معينة؟ أم أنه مجرد حضور عرضي لا يرقى إلى مستوى الإخلال بالحياد والمشاركة؟

الجدل لا يتوقف عند حدود الحضور ذاته، بل يتعداه إلى طبيعة التوازن داخل الفضاء العمومي المحلي. إذ يجمع كثير من المتتبعين على أن الفاعل المدني يحتاج إلى مناخ حر ومساحة مستقلة للتعبير عن مواقفه، خصوصا عندما يكون الطرف السياسي جزءا من الإشكالات المطروحة. ففي هذه الحالة، يفقد اللقاء حياده، ويصبح – ولو ضمنيا – مجالا للمحاباة أو الصمت أو التوجيه الضمني.

وفي غياب إطار قانوني صريح يحدد من له الحق في الحضور داخل هذه اللقاءات، تبقى مثل هذه الممارسات مجالا مفتوحا للتأويل، ومصدرا لارتباك وظيفي يربك طبيعة العلاقات بين المجتمع المدني والسلطات المنتخبة. الأمر الذي يستدعي من الجهات التشريعية والتنظيمية العمل على بلورة قواعد مؤسساتية واضحة، تضمن وضوح المهام وتكامل الأدوار دون تداخل، وتحصن الفعل المدني من كل التأثيرات التي قد تمس باستقلاليته.

إن الجدل الذي خلفه لقاء يوم أمس بجماعة بلفاع، بما حمله من رمزية وما أثاره من تساؤلات، يعيد إلى الواجهة سؤال التوازن بين الفاعلين داخل المشهد المحلي، وضرورة إعادة النظر في صياغة العلاقة بين السياسي والمدني، ليس عبر الفصل الميكانيكي، ولكن من خلال ترسيخ ثقافة مؤسساتية تفصل بين الاختصاص وتقنن الحضور وتعلي من قيمة الحوار الحر والمستقل.

لا يمكن نسخ هذا المحتوى.