تحقيقـ24 – الرباط
في تحليل سياسي محكم، أكدت النائبة البرلمانية نعيمة الفتحاوي أن الزيارة التي قام بها رئيس جنوب إفريقيا السابق، جاكوب زوما، إلى المغرب، تشكل تطورا نوعيا ومؤشرا واضحا على بداية تغير المواقف التقليدية لجنوب إفريقيا بشأن قضية الصحراء المغربية.
وأضافت الفتحاوي أن زوما، الذي يرأس حاليا حزب “أومكونتو ويسيزوي” (رمح الأمة)، ثالث أقوى حزب سياسي في جنوب إفريقيا، أعلن من الرباط دعمه الصريح لمبادرة الحكم الذاتي التي تقترحها المملكة المغربية، معتبرة أن هذا الموقف يمثل ضربة موجعة للخطاب الإيديولوجي الجامد لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم، المعروف بمواقفه المناوئة للوحدة الترابية للمغرب.
وحسب النائبة، فإن هذا التطور ليس حدثا عابرا، بل هو نتيجة تراكم دبلوماسي ممتد، بدأ منذ لقاء جلالة الملك محمد السادس بالرئيس زوما على هامش قمة أبيدجان سنة 2017، مرورا بسلسلة من المبادرات السياسية الهادئة التي نجحت في إعادة بناء جسور الثقة بين الرباط وبريتوريا.
كما أوضحت أن استقبال زوما والوفد المرافق له من طرف وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، إلى جانب استقباله من قبل رئيس مجلس النواب بحضور رؤساء الفرق النيابية، يعكس أهمية الحدث وعمق التحول الذي تشهده مواقف بعض النخب السياسية الإفريقية إزاء قضية الصحراء المغربية.
وأكدت الفتحاوي أن زيارة زوما ليست فقط اعترافا ضمنيا بوجاهة مقترح الحكم الذاتي المغربي، بل تعد، حسب مراقبين، مراجعة فعلية للمواقف الإيديولوجية التي عرقلت لعقود اندماج جنوب إفريقيا في منطق التوازن والواقعية السياسية.
وسجلت النائبة أن زوما حرص خلال هذه الزيارة على استحضار الدعم التاريخي الذي قدمه المغرب لحركة التحرير في جنوب إفريقيا، بما في ذلك تدريب نيلسون مانديلا ورفاقه بمدينة وجدة سنة 1962، معتبرة أن هذا الاستحضار يبرز قوة الذاكرة التاريخية المشتركة، التي نجحت الدبلوماسية المغربية في إحيائها وتوظيفها لخدمة المصالح الوطنية المشروعة.
وفي ذات السياق، ذكرت بأن حزب زوما سبق أن أصدر وثيقة سياسية هامة بعنوان “شراكة استراتيجية من أجل الوحدة الإفريقية والتمكين الاقتصادي والوحدة الترابية: المغرب”، دعت فيها إلى احترام السيادة الوطنية للدول، وشددت على أن الصحراء كانت دوما جزءا من التراب المغربي، كما نوهت بمبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي يضمن لسكان الأقاليم الجنوبية حكامة محلية في إطار السيادة المغربية.
واعتبرت البرلمانية أن دلالات هذا التحول تتجلى في عدة جوانب، أبرزها بداية تشكّل رؤية سياسية أكثر عقلانية في جنوب إفريقيا بشأن النزاع الإقليمي، وانقسام محتمل داخل النخب السياسية حول كلفة الاستمرار في دعم الطروحات الانفصالية، إلى جانب بروز قناعة بأن التنمية والتكامل القاري لا يمكن أن يبنيا على خطابات الماضي الإيديولوجية.
وشددت على أن الموقف الجديد من حزب “رمح الأمة” لا ينبغي اعتباره معزولا، بل هو خطوة ضمن تحول أعمق داخل القارة الإفريقية، حيث بدأت تظهر أصوات تقدم المصالح الاقتصادية والتحالفات الاستراتيجية جنوب-جنوب على الخطابات العقيمة.
واختتمت الفتحاوي تحليلها بالتأكيد على أن زيارة زوما تمثل ورقة ضغط جديدة على خصوم الوحدة الترابية للمغرب، وتبرز أن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي لم يعد يهيمن وحده على المشهد السياسي في بريتوريا، معتبرة أن النخب السياسية الجديدة أصبحت أكثر جرأة في مراجعة الأخطاء التاريخية، بما يخدم مصالح شعوب القارة، وعلى رأسها التعاون مع المغرب كقوة إقليمية وفاعل رئيسي في التنمية الإفريقية.