محمد مسير أبغور
عندما يخاطب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، أنصار حزبه ومناضليه، فإنه يختار اللحظة بعناية، وينتقي العبارات بأسلوب يميزه عن باقي الفاعلين السياسيين، لكنه غالبًا ما يبتعد عن تقديم أي برامج اجتماعية أو أهداف سياسية واضحة.
في خرجة إعلامية جديدة مساء أمس السبت، خرج الزعيم السابق من صمته ليقدم “نصائح مستعجلة لأهداف مؤجلة”، بأسلوب يُشبه “دجاج السوق يبات مربوطًا”. إذ قدّم وصفته السحرية العجيبة داعيًا أنصاره إلى الانكباب على الذكر والدعوة لمدة عامين استعدادًا للانتخابات، محددًا وقت التنفيذ في 400 يوم، وكأن مشاكل البلاد تُحل بالأوراد والأدعية بدلًا من البرامج والإصلاحات. خطاب يعيدنا إلى أجواء الحروب الدينية والجاهلية، بعيدًا عن مفاهيم الكفاءة، المسؤولية، والوضوح السياسي.
بنكيران، الذي عاقبه الناخب المغربي في انتخابات 2021، مُني بسقوط سياسي مدوٍ، ووجد نفسه في عزلة بعد أن تخلّى عنه أقرب حلفائه، من بينهم مصطفى الرميد، سعد الدين العثماني، المصطفى الخلفي، وعدد من الكفاءات التي كان الحزب يعتمد عليها في تقوية موقعه داخل الخريطة السياسية الوطنية.
ويبدو أن الرجل لم يستوعب الدرس بعد، إذ لا يزال يعتمد نفس العقلية القديمة: خطاب ديني شعبوي، مزايدات أخلاقية، واتهامات تطال من يخالفه في الرأي بوصفهم بـ”الحشرات” و”الإسرائيليين”، إلى جانب الانتقاص من كرامة النساء الموظفات والمثقفات، دون أن يغفل خطاب المظلومية السياسية، في محاولة يائسة لإعادة ترميم صورته التي انهارت تحت وطأة قراراته اللاشعبية خلال فترة رئاسته للحكومة.
الخرجة الإعلامية، التي اعتبرها عدد من المحللين “قفزة زريعة”، استُحضرت فيها مقولات تراثية ساخرة مثل “حرك حرك أبا عبيد، شد حمامك آسي دريس” المنسوبة للثنائي قشبال وزروال، في إحالة على الحقبة البصرية وصراعاته مع المعطي بن عبيد، وامتزج ذلك مع أجواء أغنية الحاجة الحمداوية “مين أنا ومين نتا”، ما يعكس خلطًا بين الرمزي والواقع السياسي، لم يُترجم حتى في نسب المشاهدة، حيث لم تتجاوز 1600 مشاهدة على البث المباشر، رغم الإعلان المسبق عنها، ما فسره متتبعون بفقدان بنكيران لقاعدة دعمه حتى على منصات التواصل الاجتماعي.
من جهة أخرى، يرى متابعون للاستعدادات الانتخابية أن بنكيران يدفع أنصاره للانخراط بكثافة في العملية الانتخابية باعتبارها الوسيلة الوحيدة لإعادة الحزب إلى الواجهة، خصوصًا في ظل توقعات بعزوف سياسي غير مسبوق، يرجح أن يُفرز قوتين أساسيتين: الأولى تتمثل في الحزب الذي يقود الحكومة مستفيدًا من البرامج الوزارية، والثانية في حزب يتغذى على العمل النضالي القاعدي والهشاشة المنتشرة بالمناطق النائية.
ويُجمع مراقبون على أن بنكيران يستعد لاستغلال الرصيد الديني المشترك للمغاربة، من خلال خطابات تستهدف المستضعفين ومفاهيم الإسلام السياسي، وهي توجهات ترفضها الأحزاب السياسية الأخرى، سواء اليسارية أو الإدارية، استنادًا إلى أن المرجعية الدينية للمغاربة محفوظة داخل مؤسسات الدولة وتحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.
وفي هذا السياق، يستمر بنكيران في تجسيد صورة “الرجل الدرويش” عبر هندامه البسيط وخطابه المليء بالمظلومية، محاولًا إقناع أتباعه بنظريات المؤامرة ومصطلحات “العفاريت” و”التماسيح” و”مخلوناش نخدمو”، في محاولة لتبرير فشل حزبه في تدبير الشأن العام خلال ولايتين حكوميتين. واللافت أن الرجل نفسه يستفيد من معاش استثنائي سخي وامتيازات متعددة، في حين يلوّح مستشاروه في الجماعات الترابية بورقة “التقوى” و”الزهد” لمحاولة استعطاف الناخبين من جديد، عبر دعوات للصوم والصلاة والدعاء، ابتداءً من اليوم.