صيادلة المغرب بين سندان التهميش ومطرقة لوبيات الأدوية: أزمة متفاقمة والمواطن أكبر المتضررين

tahqiqe24

الصحفي مخضار محمد

شهد محيط مقر وزارة الصحة والحماية الاجتماعية وقفة احتجاجية حاشدة، شارك فيها آلاف الصيادلة من مختلف جهات المملكة، بما في ذلك وفود من الأقاليم الجنوبية، تعبيراً عن الغضب والاستياء العارم تجاه الوضع المتأزم الذي يعيشه قطاع الصيدلة في المغرب، بسبب ما وصفوه بـ”سياسات التهميش والتواطؤ مع لوبيات شركات الأدوية متعددة الجنسيات”، و”القرارات الأحادية وغير المسؤولة” الصادرة عن الوزارة.
صيحة احتجاج حادة ضد الصمت الرسمي
دعوة الوقفة جاءت من الكونفدرالية الوطنية لنقابات صيادلة المغرب، التي أكدت في بيانها أن هذه الخطوة التصعيدية جاءت بعد سنوات من التهميش والخذلان من طرف وزارة الصحة، التي لم تكتفِ بتجاهل الملف المطلبي للصيادلة، بل أقدمت، حسب المحتجين، على اتخاذ قرارات مصيرية دون الرجوع إلى المهنيين أو التشاور معهم، وعلى رأسها مشروع تحديث أسعار الأدوية.
الصيادلة الغاضبون وجهوا انتقادات شديدة اللهجة إلى كل من الوزير الأول السيد عزيز أخنوش ووزير الصحة، بسبب ما اعتبروه عدم مبالاة حكومية صارخة و”تركهم في مواجهة مباشرة مع لوبيات الأدوية دون حماية ولا دعم”، ما ساهم في تفاقم الوضع المهني والاجتماعي للصيادلة، ودفع الآلاف منهم نحو حافة الإفلاس.
600 دواء حُذف من السوق… والمواطن يؤدي الثمن
واحدة من أخطر تداعيات هذه السياسات كانت سحب حوالي 600 دواء من السوق المغربية، وهي أدوية أساسية، غالباً ما تُستعمل من طرف الفئات الهشة، وتتميز بأثمنتها المناسبة. شركات الأدوية، بحسب الصيادلة، لم تعد ترى أرباحاً في هذه الأدوية بعد قرارات التخفيض غير المدروسة، فقامت بسحبها لتعويضها ببدائل باهظة الثمن، تصل إلى عشرة أضعاف السعر الأصلي.
وأكد عدد من الصيادلة المشاركين في الوقفة أن هذا الوضع أدى إلى أزمة ثقة بين المريض والطبيب، حيث أصبح الأطباء يُدرجون لائحة طويلة من الأدوية في الوصفات، خوفاً من غياب أحدها في الصيدليات، ما يربك المريض ويثقل كاهله.
إصلاح مشوه أم تدمير ممنهج؟
وزارة الصحة اعتمدت دراسة مع مكتب استشاري خلُص إلى أن 157 دواءً يفوق ثمن الواحد منها 8000 درهم، ومع ذلك، اختارت الوزارة تخفيض أسعار أدوية لا تحقق سوى هامش ربح هزيل، دون المساس بالأدوية الباهظة. هذا الأمر طرح تساؤلات جوهرية حول جدية الوزارة في الدفاع عن القدرة الشرائية للمواطن المغربي، خصوصاً في ظل غياب منظومة تعويض عادلة وفشل في إصلاح نظام الحماية الاجتماعية.
الصيادلة لا يعارضون تخفيض أسعار الأدوية، بل يطالبون بتخفيض حقيقي ومعقلن، يراعي مصلحة المواطن، ومصلحة صندوق التأمين، وكذا مصلحة الصيدلي الذي يجد نفسه اليوم عاجزاً عن مجاراة التكاليف، في ظل انكماش الأرباح وارتفاع الأعباء، مما يهدد ما يقارب 4000 صيدلية بالإغلاق.
فوضى مهنية وصمت تنظيمي
القطاع يعاني كذلك من جمود مؤسساتي خطير، حيث لم تُجرَ انتخابات المجالس المهنية منذ ثماني سنوات، ما يُفقد الصيادلة صوتهم التمثيلي في تدبير شؤون المهنة. كما لا يزال قانون الحماية الفرنسي هو الساري المفعول في تنظيم المهنة، في مفارقة قانونية غير مقبولة في مغرب 2025.
صرخة في وجه العبث: المواطن أولاً
في ظل كل هذه التحديات، يبدو أن المواطن المغربي البسيط هو الخاسر الأكبر، إذ أصبح يجد صعوبة في الحصول على الأدوية الضرورية بثمن مناسب، أو حتى في إيجادها في السوق. كما أن السياسات الحالية، بحسب الصيادلة، تُكرّس منطق الربح التجاري على حساب الصحة العمومية، في غياب رؤية وطنية شاملة لإصلاح القطاع الدوائي بالمغرب.
جمعيات حماية المستهلك نددت هي الأخرى بسحب الأدوية الأساسية من السوق، مؤكدة أن هذا القرار “يضرب حق المواطن في العلاج في العمق”، ويشكل تهديداً مباشراً لمنظومة صحية هشة أصلاً، خاصة بالنسبة للفئات الفقيرة وغير المؤمّنة.

اليوم، صوت الصيادلة يُرفع عالياً في وجه صمت رسمي مريب، وقرارات تُوصف بالارتجالية، وسط مطالب متزايدة بوضع حد لهذا التسيب القطاعي الذي لا يخدم إلا مصالح لوبيات الدواء. إن استمرار هذا الوضع يعني مزيداً من الضغط على كاهل المواطن المغربي، وتفكيك ما تبقى من الثقة في المنظومة الصحية، مما يستدعي تدخلاً فورياً وشجاعاً من أعلى مستويات الدولة، لإنقاذ قطاع أساسي من الانهيار، ووضع المواطن في صلب السياسات العمومية، لا في هامشها.

اترك تعليقا *

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ركن الإعلانات والإشهارات

أبرز المقالات

تابعنا

لا يمكن نسخ هذا المحتوى.