تحقيق 24 – متابعة
كتب الدكتور احمد الدرداري استاذ العلوم السياسية بجامعة عبد الملك السعدي بتطوان ان مطالب شباب جيل Z112 بين خيار الخروج من المسار المعقد للديمقراطية و التدخل الملكي لإطفاء غضب الشباب.
واضاف انه من الطبيعي ان تنتج الديمقراطيات المعاصرة احتجاجات بين الفينة والأخرى، وذلك نظرا لكونها أنظمة مبنية على رغبات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ويتم تغليفها بمزايا حقوقية وحريات فردية وخدمات اجتماعية، وذلك لإضفاء الشرعية على عمل الحكام باعتبارهم يقومون بتدبير شؤون المواطنين، وعليه يتم فتح باب التنافس الانتخابي بين عدد من المواطنين الراغبين في الوصول الى مستوى الحكام وممارسة السلطة.
لكن عندما يصل بعض الحكام إلى كرسي القيادة، تتهافت عليهم مطالب الذين ساعدوهم على الوصول، ويتم ادخال الذاتية في إسناد المناصب، ويتم توزيع الامتيازات الاستثمارية و المالية والإدارية حتى يعتقد الحكام ان الوضعية أصبحت مستقرة وان المحاسبة بعيدة و غير ممكنة وليس هناك خوف من الاحتجاج.
و الغريب هو انه في بعض الأنظمة الديمقراطية التي يحترم فيها القانون والمنطق نجد بعض المسؤولين الحكوميين كلما احسوا بوجود مشكلة لا يستطيعون حلها او ساهموا في وجودها يقدمون استقالتهم تكفيرا عن ما يحسون به من تأنيب للضمير نتيجة قصور او تقصير في اداء مهامهم.
ان قوة الدولة لا تكمن في تطبيق القانون بشكل تنازلي ورفض سريانه بشكل تصاعدي أو استخدام القوة العمومية في اتجاه طمس حرية التعبير وقتل مصداقية النقاش العمومي ورفض إعمال النقد البناء باجراءات قضائية تنتهي بإصدار أحكام قاسية… بل قوة الدولة تمكن في صيانة حقوق الشعب كالسيادة التعليمية والسيادة الصحية والسيادة المالية الوطنية واحترام عدالة التوزيع للموارد بشكل أفقي ومتوازن وبناء اقتصاديات تنافسية وطنية وترابية، وتجنب الاستدانة والمخاطر المالية التي قد تدخلها في أزمات داخلية التي إذا حدثت لا تجد بدأ غير قبول الواقع و المواجهة السياسية مع المواطنين الرافضين للضغوطات القاسية للسياسات العمومية التي يتم إصلاحها بإملاءات خارجية مضرة بادوار الدولة الاجتماعية،
ومن جهة أخرى ولكون الشعب ركن من اركان الدولة، فان المطالب الشرعية تتطلب احترام القيم والثوابت الوطنية والحفاظ على البلاد بجعل التظاهر او الاحتجاج السلمي أسلوب راقي لرفع المطالب والضغط لتحقيق النتائج، بينما يبقى الشغب والتخريب والإساءة للوطن و للمؤسسات الأمنية المكلفة بحماية ارواح وأموال المواطنين من الاعتداء غير مجدية ومرفوضة .
فالسياسة الصحية وصلت إلى مستوى غير مشرف، والسبب هو تخلي الدولة عن أدوارها بشكل تدريجي حتى اصبح المواطن بدون مستشفيات وتحول إلى عدو الحكومة، وكذلك السياسة التعليمية العمومية فقد طغى عليها التسييس والتهميش وتغول في المقابل التعليم الخصوصي واصبح يملي شروطه على الدولة، و تلاعب بالمقررات وحقوق المدرسين وزادت تكلفة التعليم على الآباء، وحتى الموظفين لم يعودوا قادرين على مسايرة تكلفة التعليم الخصوصي.
كما ان التشغيل في القطاع الخاص طغى عليه الاستغلال وعدم احترام قانون الشغل و توترت علاقة العمال برب العمل وكأن الأمر يتعلق بعامل يشتغل عند سيدة، ولا يمكنه ان يتمتع بكل حقوقه الاجتماعية ناهيك عن ظروف العمل الصعبة والمقلقة لصحة الشغيلة لاسيما النساء.
ولتجاوز الوضع السياسي المعقد الحالي، لا يكفي اقالة الحكومة او حل البرلمان او القيام بتقديم أكباش فداء باسم الإصلاح في محاولة لإسكات صوت جيل الشباب z7 الذي يتطلع إلى نموذج تنموي جديد يسير بسرعة واحدة على مستوى كلفة التراب الوطني، ويشمل كل فئات الشعب، ولا يكفي إسكات بعض الأصوات عبر إغرائهم بمناصب او محاولة استقطابهم سياسيا وادخال بعضهم إلى عالم السياسة او التوظيف المباشر لبعضهم … فكل ذلك يدخل ضمن أنصاف الحلول التي قد توصف بالركوب على الموجة وتهميش ما تبقى من الشباب. فذلك قد تكون لديه تداعيات سياسية وأمنية سلبية.
ان بعض الحلول المؤقتة يمكن ان تكون كمايلي:
في مجال الصحة يتطلب الوضع تكليف الطب العسكري برعاية صحة المواطنين، وذلك نظرا لشروط الحياد والتأطير السيادي، وجدية العناية بالمرضى وخلو المستشفيات العسكرية من الرشوة لكون الطبيب ليس اطارا وطنيا فقط بل درجة عسكرية مشرفة خاضعة إلى الانضباط لمنهجية العمل العسكرية.
وبالنسبة لقطاع التعليم تتطلب المرحلة إسناده إلى وزارة الداخلية، وذلك لتفادي المزايدات وتمديد فترات الإضرابات التي تؤثر على المردودية باسم الصراعات السياسية و النقابية، وتضيع معها الواجبات الملقاة على عاتق المؤسسات التعليمية وحقوق التلاميذ، والحد من الارتباط الوثيق لعدد من الاطر بالأحزاب السياسية وإبعاد الواجب التربوي والتعليمي عنحرية الانتماء السياسي .
وبالنسبة للتشغيل يجب توحيد قوانين الشغل و الرفع من الحد الادني للأجر وخلق مشاريع وطنية للتشغيل، وتحسين ظروف العمل وتحديد الاجر المعقول بالنظر إلى متطلبات العيش الكريم، ولا يمكن إبقاء مؤسسات التأمين خارجة عن المراقبة وتتبع عملية استثمار الأموال المودعة في صندوق الإيداع والتدبير.
ان العالم والمفكر والمنظر والسائس هم الذين يتحملون مسؤولية مراجعة أدوار الدولة الحديثة لمواكبة مجتمع ما بعد الرقمنة، والتي يبدوا انها اصبحت موضوع مراجعة سياسية دولية لكونها تتجاوز التزاماتها المتوالية التي تعرفها سياساتها المالية والاقتصادية والاجتماعية.
ومهما قدم الملك من حلول فإنها لا يمكنها تغيير عقلية من لا يقدر المسوولية، وستبقى حبيسة جبر خاطر الشباب نظرا للاحترام الكبير الذي يكنه له الشعب، كما أنه سيتبرأ من المفسدين، ويبقى المهم من جهته هو مراجعة ادوار الدولة لكونه يكرر دائما انه غير راضي عن اداء المسؤولين والسياسات العمومية المتبعة، وإعطاء الأوامر لتغيير مقاربات إسناد مهام الرقابة على المسؤولين للحد من الفساد، وتصحيح معنى الديمقراطية البرلمانية والاجتماعية التي ينص عليها الدستور في الفصل الاول، وذلك بالدعوة إلى تغيير دور البرلماني ودور الوزير.
ونظرا للاحترام الكبير الذي يكنه الشعب للملك، يبقى المهم الحرص على الخيار الديمقراطي ومراجعة نمط الاقتراع ووضع شروط للترشيح وشروط لممارسة السلطة التشريعية والتنفيذية.
وقد سبق للملك ان قال في خطاب العرش للسنة الجارية 2025:
” لن أكون راضيا، مهما بلغ مستوى التنمية الاقتصادية والبنيات التحتية، إذا لم تساهم، بشكل ملموس، في تحسين ظروف عيش المواطنين، من كل الفئات الاجتماعية، وفي جميع المناطق والجهات. لذا، ما فتئنا نولي أهمية خاصة للنهوض بالتنمية البشرية، وتعميم الحماية الاجتماعية، وتقديم الدعم المباشر للأسر التي تستحقه.
وقد أبانت نتائج الإحصاء العام للسكان 2024، عن مجموعة من التحولات الديمغرافية والاجتماعية والمجالية، التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار، في إعداد وتنفيذ السياسات العمومية.
وعلى سبيل المثال، فقد تم تسجيل تراجع كبير في مستوى الفقر متعدد الأبعاد، على الصعيد الوطني، من 11,9 في المائة سنة 2014، إلى 6,8 سنة 2024.
كما تجاوز المغرب، هذه السنة، عتبة مؤشر التنمية البشرية، الذي يضعه في فئة الدول ذات “التنمية البشرية العالية”.
وقد اعلن أسفه حول بعض المناطق، لاسيما بالعالم القروي التي ما تزال تعاني من مظاهر الفقر والهشاشة، بسبب النقص في البنيات التحتية والمرافق الأساسية.
وهو ما لا يتماشى مع تصور الملك لمغرب اليوم، ولا مع جهوده في سبيل تعزيز التنمية الاجتماعية، وتحقيق العدالة المجالية.
ويؤكد على انه لا مكان اليوم ولا غدا، لمغرب يسير بسرعتين.
وطالب بوضع أولويات واضحة، ومشاريع ذات تأثير ملموس، تهم على وجه الخصوص أربع أولويات :
– أولا : دعم التشغيل، عبر تثمين المؤهلات الاقتصادية الجهوية، وتوفير مناخ ملائم للمبادرة والاستثمار المحلي؛
– ثانيا : تقوية الخدمات الاجتماعية الأساسية، خاصة في مجالي التربية والتعليم، والرعاية الصحية، بما يصون كرامة المواطن، ويكرس العدالة المجالية؛
– ثالثا: اعتماد تدبیر استباقي ومستدام للموارد المائية، في ظل تزايد حدة الإجهاد المائي وتغير المناخ؛
– رابعا : إطلاق مشاريع التأهيل الترابي المندمج، في انسجام مع المشاريع الوطنية الكبرى، التي تعرفها البلاد.
كم أكد جلالته على ضرورة توفير المنظومة العامة، المؤطرة لانتخابات مجلس النواب، وأن تكون معتمدة ومعروفة قبل نهاية السنة الحالية.
وعليه فقد أعطى توجيهاتنا السامية لوزير الداخلية، من أجل الإعداد الجيد، للانتخابات التشريعية المقبلة، وفتح باب المشاورات السياسية مع مختلف الفاعلين. لتبقى الأزمة في ملعب السياسيين الذين لم يرحموا المنتخبين الذين منحوهم اصواتهم ليكونوا محطة ثقة أمامهم وامام الملك لكن يبدوا ان اكبر عدد من المنتخبين المحالين على التحقيق هو الأعلى في تاريخ الحياة السياسية للمغرب وما يزال الوضع يؤشر على الوصول إلى فاسدين اخرين سوف يحالون على القضاء، وعليه يمكن للملك في خطاب افتتاح الدورة الحالية للبرلمان ان يتجاهل الفاعل السياسي ويؤجل موضوع الاحتجاجات إلى مناسبة وطنية حتى يتقاسم دلالاتها مع الشعب ومع المناضلين الوطنيين الذين يرفضون الفساد.