مدير النشر: يونس سركوح
احتضنت قاعة الاجتماعات بمقر ولاية جهة سوس ماسة، مساء أمس الأربعاء، أشغال المناظرة الجهوية لجاذبية الاستثمار، في إطار المسار المؤدي إلى إعداد وإطلاق مؤشر الجاذبية الجهوية، الذي يرتقب أن يشكل أداة استراتيجية لتقييم الأداء الاقتصادي الترابي وتوجيه السياسات العمومية نحو تعزيز تنافسية الجهة.
ويأتي هذا اللقاء انسجاما مع التوجيهات الملكية الداعية إلى تعزيز الجهوية المتقدمة والتعريف بالبرامج الوطنية وإشراك مختلف الفاعلين في اتخاذ القرار.
وشهدت الجلسة غياب عدد من كبار المسؤولين المنتخبين والإداريين، من بينهم عمال الأقاليم، رؤساء المجالس الإقليمية، والبرلمانيين، وهو ما أثار تساؤلات حول التمثيلية والشمولية في لقاء يهم مستقبلا استثماريا حساسا بالجهة.
وجاءت المناظرة في سياق تقدم مشروع مقياس الجاذبية الجهوية الذي أطلقه المركز الجهوي للاستثمار بعد الإعلان عن نتائج طلب العروض الوطني المفتوح رقم 12/2024/CRISM، المخصص له غلاف مالي قدره 800.000 درهم.
وقد رست الصفقة على مكتب دراسات تابع لشركة FORVIS MAZARS، بعد تقديم عرض مالي بلغ 781.500 درهم، مع تسجيل تحفظ تقني لم يمنع اعتماد العرض.
وبحسب مصادر جريدة تحقيقـ24، تغيب السيد سعيد أمزازي والي الجهة عن أشغال المناظرة لأسباب صحية، فيما قدم مكتب الدراسات عرضا أوليا تضمن مؤشرات الجاذبية وتشخيص الوضع الاقتصادي بالجهة.
وقد أثار العرض جدلا واسعا بعد توصية المكتب بضرورة تبسيط المساطر الإدارية لتعزيز جاذبية الاستثمار، وهي النقطة التي استفزت رئيس الجهة، السيد كريم أشنكلي، الذي اعتبرها دليلا على احتمال اعتماد المكتب على الذكاء الاصطناعي (ChatGPT) في إعداد الدراسة، بدل الارتكاز على المعطيات الميدانية الدقيقة.
ولفت عدد من الحاضرين الانتباه إلى أن العرض لم يتطرق إلى البرامج الوطنية ولا إلى آليات تنزيلها على المستوى الجهوي، وهو ما يعد مخالفة صريحة للتوجيهات الملكية السامية الواردة في الخطاب الذي ألقاه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، خلال افتتاح الدورة التشريعية الأخيرة للولاية البرلمانية الحالية، والذي شدد فيه على ضرورة التعريف بالبرامج الوطنية وتنزيلها في إطار الجهوية المتقدمة، مع إشراك مختلف الفاعلين في اتخاذ القرار.
كما لم تستعرض المكتسبات الحالية للجهة، كــالميناء الجاف، حيث شدد السيد كريم أشنكلي على أهمية تجمع مختلف الأطراف المعنية، بما في ذلك TMSA، AMDL، CDG، وMEDZ، من أجل إنشاء المنطقة الحرة والميناء الجاف وتعزيز البنية التحتية الاقتصادية للجهة، بما يشمل أيضا إدارة الجمارك.
وأوضح أن نجاح هذا المشروع مرتبط مباشرة بتمتع الجهة بالمقومات الضرورية، مؤكدا أن أي مشروع من هذا النوع لن يكتمل إذا لم تتوفر للجهة الإمكانيات والظروف الملائمة للنجاح.
وتدخل إدريس بوتي، رئيس فرع الاتحاد العام للمقاولات بالمغرب بجهة سوس ماسة، معربا عن استيائه لعدم تشاوره مسبقا في إعداد الدراسة.
كما أكد فؤاد بنعلالي، رئيس غرفة الصيد البحري الأطلسية الوسطى بأكادير، على معاناة القطاع من شبح الإفلاس نتيجة ندرة المادة الخام، مما يعكس الحاجة إلى إشراك جميع الفاعلين المحليين لضمان فعالية السياسات والاستراتيجيات الاستثمارية.
وأفاد مصدر للجريدة أن أشنكلي ألمح بنبرة ساخرة قبل مغادرته القاعة قائلا :”ChatGPT وجاين يضحكوا علينا” وهو التصريح الذي فجر نقاشا حادا داخل القاعة.
وردت ممثلة المركز الجهوي للاستثمار بأن الدراسة ثمرة عمل تشاركي يستند إلى معطيات واقعية، فيما شدد ممثل مكتب الدراسات على أن العرض “نتاج ذكاء بشري وليس صناعي”.
وتشير مضامين العرض إلى تشخيص اعتبره عدد من الحاضرين “مقلقا”، خصوصا ما يتعلق بارتفاع معدل البطالة، وضعف مساهمة الجهة في الناتج الداخلي الإجمالي الوطني، وتراجع مؤشرات التصدير، رغم تعبئة موارد مالية مهمة خلال السنوات الأخيرة.
كما أكدت مصادر تحقيقـ24 أن الأجل المحدد لإنجاز الدراسة وتسليمها وفق دفتر التحملات قد انتهى فعليا منذ شهر أبريل الماضي، إذ حددت مدة إنجاز المشروع (délai) في 120 يوما، ما يطرح تساؤلات حول احترام التزامات الإنجاز وجودة المخرجات المرتقبة.
وفي سياق مقارن، نشرت مجلة FORTUNE بتاريخ 7 أكتوبر 2025 أن شركة DELOITTE الرائدة عالميا تعرضت لانتقادات واسعة بعد الكشف عن استخدامها الذكاء الاصطناعي في إعداد دراسة لمساعدة الحكومة الأسترالية لتشديد الرقابة على نظام الإعانات بقيمة 290 ألف دولار، وما نتج عن ذلك من أخطاء خطيرة بينها الإشارة إلى أبحاث أكاديمية غير موجودة واقتباس ملفق لحكم قضائي، ما دفع الشركة إلى إعادة المبلغ المالي.
ويبقى السؤال الأوسع الذي يفرض نفسه بعد هذه المناظرة: إلى أي حد تعكس هذه النقاشات—من منهجية التشخيص، إلى غياب البرلمانيين، وتوصية تبسيط المساطر الإدارية، والجدل حول الذكاء الاصطناعي، واحترام آجال الإنجاز، وعدم إشراك جميع الفاعلين المحليين، وغياب استعراض المكتسبات والمشاريع الأساسية—صورة أعمق عن واقع حكامة الاستثمار بجهة سوس ماسة، وعن قدرة مختلف المؤسسات على بلورة رؤية مشتركة تعزز جاذبية الجهة وتستجيب لتطلعات ساكنتها؟