تخليق الحياة السياسية في أفق الإستحقاقات المقبلة مطلب دائم أم ضرورة ظرفية ؟

بقلم: عبد الرضي لمقدم
عرفت بلادنا مؤخرا ولازالت موجة من الإعتقالات والمتابعات القضائية رافقها كثير من اللغط والهوس في المقاهي مفي الصالونات العامة والخاصة، لا سيما وأنها همت بعض الناخبين الكبار وبعض المنتخبين الصغار والمنتمين في الغالب الأعم إلى أحزاب التحالف التحالف الحكومي وقليل منهم لأحزاب سياسية أخرى، وهو ما جعل البيوت الداخلية لبض الأحزاب تعرف هزات عنيفة لا زالت ارتداداتها متواصلة ولم تهدأ بعد.


التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات هو الآخر زاد الطين بلة للمشهد السياسي المهترئ، حيث عرى هذا المشهد ليصبح مكشوفا للخاص والعام، وخاصة بعض الظواهر السلبية التي أدت إلى الكفر بالسياسة والسياسيين من لدن المواطن دون تمييز، مستشهدا في ذلك بما تنشره الماكينة الإعلامية التي وجهت مدفعيتها الثقيلة إلى الأحزاب السياسية لترسم لوحة سياسية قاتمة عن الأحزاب في ضربة موجعة لمسار البناء الديمقراطي الذي اتخذته البلاد كخيار استراتيجي دون رجعة.


الأحزاب السياسية وبشكل لا محيد عنه، تشكل أساس وأدوات البناء الديمقراطي في أي بلد، ونحن ديمقراطيون ولا يمكن بناء الديمقراطية إلا بالديمقراطيين، أي نعم ديمقراطيون يحرصون على أن تكون للسياسة معنى وأن يكون للتناوب منطق، لأنه لم يعد من المقبول الصمت أمام ظواهر سياسية مفلسة أثبتت يوما عن يوم بأنها تسيء وللأحزاب وللوطن وللعمل السياسي.


مما يجعل الحاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى إلى تأهيل الفاعل الحزبي ليساهم بدوره في تعزيز ثقة المواطن في المؤسسات من جهة، وليكون في مستوى التحديات المطروحة على البلد لربح رهاناته السياسية والاقتصادية والرياضية واستحقاقاته الديمقراطية المقبلة.


لكن يبدو عند تمحيص دقيق لهذه المرحلة ولمجموع الظواهر المستشرية في الجسم الحزبي بالبلاد أن هناك توجهين كبيرين يتجذبان الساحة السياسية الوطنية، توجه يعبر إرادة الإصلاح والجدية ومجابهة التحديات يجعل المصلحة العليا للوطن فوق كل اعتبار، بعيدا عن المصالح الحزبية الضيقة، وهو توجه عبر عن نفسه من خلال مشاريع إصلاحية واعدة، وبقناعات راسخة بقيت وفية للمبادئ الثابتة من أجل التغيير وبناء مغرب أفضل حاضن لكل أبنائه، ومتملك لمشاريع مجتمعية قابلة للتحقيق، تضع الانسان في صدارة الاهتمام.


وهناك توجه ثان يجر البلاد إلى الأسفل، ويستثمر في الرداءة السياسية بشكل بشع جدا، وهو توجه يعبر عن نفسه من خلال خطاب سياسي منحط و مبتذل، ومن خلال أساليب البلطجة، معتمدا في ذلك مختلف أساليب الإفساد السياسي المعتاد في المحطات الانتخابية، خصوصا بالنسبة إلى الذين يعتبرون مناطق خاصة بمثابة قلاع انتخابية محصنة يستحيل اقتحامها من طرف الأخر الذي يبقى في جميع الحالات خصما شريفا، كما يعتبرون المقاعد الانتخابية ريعا أو إرثا سياسيا مكتسبا … كل ذلك من أجل وضع اليد على الخيرات والمقدرات إمعانا في تكريس النكوص والرجعية.


والمواطن المغربي وفي هذه الظروف المتسمة بسرعة التحولات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية التي يعرفها العالم يريد تغييرا حقيقيا_ بعيدا عن الشعارات الرنانة والبراقة_ بما هو إحداث طفرة نوعية في مسارات التنمية المستدامة والمندمجة، ولا سيما في المجال الترابي بما ينعكس إيجابيا على وضعيته الاجتماعية والاقتصادية التي أثقلها تحالف التدابير والسياسات الحكومية اللامنطقية مع تداعيات كورونا القاسية والمؤلمة في أحايين كثيرة.
فالمواطن يريد تغييرا حقيقيا بما هو إحداث طفرة نوعية في مسارات التنمية المستدامة والمندمجة، ولا سيما في المجال الترابي بما ينعكس إيجابيا على وضعيته الاجتماعية والاقتصادية التي أثقلها تحالف التدابير والسياسات الحكومية اللامنطقية مع تداعيات كورونا القاسية والمؤلمة.


التخليق الذي يريده المواطن المغربي هو ذلك الاستشعار لحس المسؤولية (في ظل التحديات التي تواجهها بلادنا) بمراكز تدبير الشأن العام في مختلف المستويات، بما يؤدي إلى إحداث تغيير يشكل طموح وأمل في تحقيق الأفضل وتلبية التطلعات والأمال العريضة للوطن والمواطنين، التغيير هو مدى امتلاك الأحزاب السياسية لمقومات الترافع عن القضايا المصيرية لشعبنا ولبلادنا على حد سواء.


ويبدو أن الكلمة النهائية ستكون للمواطن الذي يستطيع بذكائه الفطري أن يختار خندقه بكل مسؤولية وشجاعة، وقادر على التمييز بين العروض التي ستقدم بمناسبة الإستحقاقات المقبلة.